تونس | فرحة نجاح افتتاح الدورة الـ49 من «مهرجان قرطاج الدولي» أخيراً لم تدم طويلاً. ما حدث السبت الماضي في مدينة قربة (ولاية نابل) خلال عرض «العربي ونص»، ويوم الأحد في سبيطلة (محافظة القصرين) في مسرحية «الزمقري»، كان صرخة فزع ستدفع الأجهزة الأمنية والثقافية إلى مزيد من الانتباه والاستعداد لتأمين العروض. في «مهرجان العبادلة» في سبيطلة، اضطر الممثل محمد علي النهدي إلى إيقاف عرض مسرحيته «الزمقري» (مونودراما) بسبب الفوضى التي عمّت الركح الروماني بعد انسحاب الأمن وصعود مجموعة سلفية، قبل أن تندلع مشادات بين الرافضين للعرض والمتمسكين به.انسحبت القوى الأمنية في الدقيقة ٣٨ من العرض بعد توجيه النهدي تهماً لجهاز الأمن بتلقّي رشى، وهو ما اعتبرته عناصر الأمن «استفزازا مباشراً»، فيما توّعدت المؤسسات الأمنية بملاحقة النهدي قضائياً، وهو ما يذكرنا بما حدث لمغنّي الراب «ولد الكانز». لكن اليوم، تتعلّق المسألة بممثل شاب حقق حضوراً كبيراً في السنوات الأخيرة في السينما والتلفزيون والمسرح، فضلاً عن أنّه ابن أشهر كوميدي تونسي هو لمين النهدي الذي أخرج مسرحيته أيضاً. وفيما أكدت إدارة «مهرجان العبادلة» رواية القوى الأمنية، نفى النهدي الموضوع، معتبراً أنّ المؤسسة الأمنية «تستهدف حرية التعبير، وباتت تحدد مضامين البرمجة في المهرجانات»، مضيفاً أنّ «من ترضى عنه هذه الجهات يقدّم عروضه وتتم حمايته. أما المغضوب عليهم، فيمنعون من العمل». ولفت النهدي إلى أنّ ما تعرّض له كان «مدبراً لمنعي من عرض مسرحيتي» ووضع القضية في سياق حرية التعبير. لكنّ إدارة المهرجان قالت إنّ الشبان الذين اعتلوا المسرح ليسوا سلفيين بل «مواطنون عاديون استفزتهم الكلمات البذيئة والإيحاءات الجنسية التي استعملها النهدي»!
قبل يوم، وعلى مقربة من سبيطلة، كانت بداية عروض «مهرجان قربة» متعثرة. حاولت مجموعة من الشبان السلفيين منع عرض مسرحية «العربي ونص» (مونودراما) لنجم قناة «التونسية» العربي المازني، متهمين إيّاه بـ«التهجم على الإسلام». لكن قوات الأمن كانت حاضرة وأمّنت العرض الذي استكمل في ظروف عاديّة.
وأصدرت قوّات الأمن ظهر الثلاثاء الماضي بياناً أعلنت فيه عدم استعدادها تأمين حفلات الراب (الأمر الذي ندد به ناشطون حقوقيون)، وعروض مسرحية «الزمقري» في كل المهرجانات التونسية بدعوى «التعدّي على أعوان الأمن». وفي مدينة قابس (جنوب)، شمل غضب الأمن الفنان بندر مان، أحد أشهر الفنانين الذين نددوا بديكتاتورية بن علي والمعروف بمعارضته الشديدة لحركة «النهضة» ودفاعه عن الحركات اليسارية، إذ رفض جهاز الأمن تأمين عرضه في «مهرجان قابس الدولي» بسبب «إهانة رجال الأمن».
هذه البداية المتعثرة تطرح أسئلة حول حرية التعبير المهددة، ليس من الحكومة فحسب، بل ممن يعوّلون على تراخي السلطات المعنية في القيام بواجباتها. أمر يؤكد مجدداً أنّ طريق الحرية صعب وطويل، وأنّ ما حققه الفنانون التونسيون بعد «ثورة الكرامة» مهدد وسط ظهور مجموعات تستهدف الحريات باسم الدين.