حققت «مهرجانات بيت الدين» هذه السنة تقدماً مرجواً في الجانب المتعلق بموسيقى الجاز وتوابعها، عبر النجاح في دعوة رمزين كبيريْن اجتمعا أمس في حفلة وحيدة: عازف البيانو والمؤلف رامزي لويس والمغنية دي دي بريدجووتر. الحاضرون كانوا بالمئات. لكلٍ منه ذائقته الخاصة ولكلٍ منه انطباعه وعلاقته بهذه الأغنية أو تلك المعزوفة من البرنامج الذي قدمه الثنائي في السهرة. غير أن العنصر المشترك الوحيد والمؤكَّد بين الجميع هو أن الحماسة التي دفعتهم إلى الانتقال إلى بعقلين لملاقاة بريدجووتر ولويس والفرقة، بدَت أكبر من تلك التي حرّكت مشاعرهم وقادت تفاعلهم أثناء الأمسية المنتظرة وبعدها. حتى الـBis لم يأتِ بعد خروج الفرقة إلى الكواليس وتحت ضغط التصفيق والصراخ، بل مستعجَلاً بوضوح، وذلك لأسْر جمهور همّ بالخروج سريعاً تاركاً مقعده متجهاً إلى السلالم المؤدية إلى المدخل الرئيسي. الجدّيون بدا عليهم التملمُل نتيجة خيبة أصابتهم. والخيبة تأتي دائماً من الفارق الكبير بين التوقعات والنتيجة. بمعنى آخر، التوقعات الكبيرة تعني القيمة المرموقة للفنان، بالتالي تنحصر «المشكلة» في الأداء خلال هذه الأمسية بالتحديد.
عند التاسعة والثلث تماماً، ظهر رامزي ودي دي على المسرح ومعهما الفرقة التي خلت من آلات النفخ الخشبية والنحاسية (كيبوردز، غيتار، باص ودرامز). توالت الأغاني والمقطوعات الموسيقية في جو من التفاعل الجميل بين المغنية السمراء المعروف عنها حرصها على كسر الجليد في الحفلات الحية من خلال المزاح والفكاهة، في التعليقات الفاصلة بين محطتين، أو حتى أثناء الأداء وبحسّ موسيقي لا يفسد مسار الأغنية. منذ اللحظة الأولى، مع أغنية On Broadway لجورج بنسون (ضيف المهرجان سابقاً)، بدت بريدجووتر بكامل أناقتها وقدراتها الصوتية والموسيقية، في حين كان واضحاً أن لويس خسر الكثير من طاقته المعهودة، إذ أتى عزفه (بين المرافقة والفاوصل والصولوهات)، فاقداً للزخم وحتى للسحر رغم الخبرة أحياناً. تحسن الوضع لاحقاً، إذ قدّم بعد اللحظات المذهلة التي تنم عن طول باع في مجاله، وذلك من خلال اعتماد ما قلّ ودلّ من النوتات. سمعنا في الحفلة Brazilica (إحدى أشهر أعمال لويس الآلاتية)، وSave Your Love For Me (تحية للمخضرَمة نانسي ويلسون) وIf I Can Help It وNight Moves (لمايكل فرانكس) وOne Fine Thing (لهاري كونيك جونيور) وغيرها... بالإضافة إلى تحية لكورت فايل والكاباريه الألماني، Mack The Knife (من مسرحية «أوبرا الأربعة قروش» لبريشت/فايل) وأخرى، من خارج البرنامج لمعشوقة دي دي، بيلي هوليداي: God Bless The Child.
إذاً، كانت أمسية جاز وصول وبلوز أكثر من عادية وأقل من استثنائية. وفي المحصلة، دي دي كانت مذهلة. لويس مخيّب للآمال رغم بعض اللحظات المعتَّقة. الموسيقيون عاديون وكذلك معظم الصولوهات. أما عازف البيانو أدسل غوميز (المرافق لبريدجووتر منذ 13 سنة) الذي تناوب مع لويس على العزف، فأتى نقيض الأخير، إذ اعتمد المهارات والعزف التقني والإبهار... لينقسم الجمهور بين من أعجِب به ومن فضَّل لويس.