القاهرة | أزمة ورق، هكذا كان يفسّر صنّاع السينما والدراما في مصر خلال العقدين الأخيرين، انخفاض مستوى المنتج الفني الخارج من المحروسة إلى الجمهور العربي. مبرّر عدّه بعض المؤلفين والنقّاد مجرّد حجّة، لأن النصّ الجيّد موجود، لكنه لا يجد من يوافق على تمويله لتتحوّل الشخصيات إلى ضوء يسطع على الشاشتين الصغيرة والكبيرة. لكنّ ارتفاع مستوى بعض مسلسلات رمضان هذا العام بفضل المؤلفين من الوجوه الجديدة التي دخلت السوق في السنوات الثلاث الأخيرة، أكّد أن الفنّ المصري كان بحاجة ماسة إلى أدمغة مختلفة تطرح قضايا وتكتب نصوصاً جيدة.
تلك النصوص تجعل المشاهد يشعر بأنه لن يتمكّن من الاستلقاء على الأريكة، ليتابع مسلسلاً يتوقع بسهولة كلمات الأبطال قبل أن ينطقوا بها، من كثرة تكرار المواقف الدرامية من مسلسل إلى آخر على مدى 50 سنة هي عمر الدراما التلفزيونية في مصر.
على سبيل المثال، رغم وجود العديد من شيوخ الكتابة التلفزيونية في سباق هذا العام، إلا أنّ المسلسل الأكثر إثارة للانتباه هو «نيران صديقة» (بطولة منة شلبي وكندة علوش وعمرو يوسف ورانيا يوسف وإخراج خالد مرعي)، وهو العمل الأول لكاتبه محمد أمين راضي. السيناريست الشاب يحاول منذ خمس سنوات طرق أبواب السينما والدراما، وكان يُفترض أن يعرض له العام الماضي مسلسل «ألف ليلة وليلة» الذي تعثر إنتاجياً. لكن من خلال «نيران صديقة» أثبت موهبة كبيرة رغم سنه الصغيرة. فقد قدّم راضي عملاً يحتاج مشاهدوه إلى التجمّد أمام الشاشة كي يستوعبوا كل تفاصيله التي تعتمد على تقنيات دراميّة، يعتبرها شيوخ المهنة مرهقة للمتفرج فعزفوا عنها طويلاً. ينتمي السيناريست إلى الجيل الذي يضم أيضاًَ هشام هلال مؤلف «تحت الأرض» (بطولة أمير كرارة وإخراج حاتم علي). المسلسل يدور حول ضابط العمليات الخاصة الذي يؤدّي مهمات قذرة للحكومة ضد المعارضين، قبل أن يتحوّل هو نفسه إلى فريسة في براثن زملائه. حضر هلال العام الماضي في مسلسل «طرف تالت»، وقبله «المنتقم»، وهو كمعظم أبناء جيله بدأ بالكتابة للأطفال؛ إذ كان التحرّر من التقاليد الفنية، قد وصل إلى برامج الصغار قبل مسلسلات الكبار. الطبيب والكاتب محمد سليمان عبد المالك ينضم أيضاً إلى قائمة المؤلفين الذين نجحوا في تغيير مسار الدراما المصرية، بمسلسله التشويقي «اسم مؤقت» (إخراج أحمد نادر جلال) الذي يحكي قصة شاب يفقد الذاكرة نتيجة حادث مدبّر، فيبدأ رحلة البحث عن ماضيه ويواجه شبح المستقبل الملتصق بالتغييرات السياسية التي تشهدها مصر. نجح عبد المالك في إعادة محمود عبد العزيز إلى الدراما العام الماضي بمسلسل «باب الخلق»، ليعوّض بدايته المتعثرة في مسلسل «القطة العميا» مع حنان ترك قبل ثلاث سنوات. كذلك، نجحت السيناريست مريم نعوم وورشة كتابة مسلسل «موجة حارة» (إخراج محمد ياسين)، في التشديد على دور الموهوبين الجدد في صناعة دراما مغايرة تنجو من السقطات المعتادة التي يقع فيها صناع المسلسلات التقليدية. أكدت تجربة «موجة حارة» التي يشارك فيها 7 مؤلفين، أنّ العمل الإبداعي الجماعي بات ممكناً وربما أكثر جودة إذا إحتاج النصّ إلى تضافر جهود مؤلفين عدّة، وهو ما تكرّر في مسلسل «فرعون» لخالد صالح (كتابة ياسر عبد المجيد وعمرو الشامي). الحكم في النهاية للجمهور الذي لم يعد يهتم بالأسماء الكبيرة على حساب المضمون، وهو ما يفسّر التراجع الواضح لمعظم النجوم الكبار في سباق هذا العام.



«نيران صديقة» على «أم. بي. سي. دراما» (19:00)
«تحت الأرض» على «دبي» (24:00)
«اسم مؤقت» على «القاهرة والناس» (13:00)