في الزمن العربي المهزوز، بات يخيّل لبعضهم أن التطبيع مع اسرائيل وجهة نظر ممكنة، ضمن وجهات أخرى، حسب أصول «الديمقراطيّة» كما «يتدرّب» عليها الشباب العربي على يد سلسلة من الجمعيّات غير الحكوميّة من رام الله إلى تونس، ومن القاهرة إلى بيروت. وهناك قلّة قليلة من الفنّانين اللبنانيّن وقعت في فخ الاستلاب الكامل الذي يقضي بالتعامي عن صورة الجلاد، ومساواته بالضحيّة تحت راية مقاربة «حضاريّة» تسعى إلى الحوار والأخوّة وفهم الآخر ونبذ العنف والتبشير بـ… «السلام».
الذين انزلقوا إلى الفخ، فعلوا ذلك عن سذاجة أو جهل أو انتهازيّة، أو كردّ فعل (انتحاري) على الأوضاع المتخلّفة القائمة في العالم العربي. لذلك لا بدّ من المسارعة إلى رفع الالتباس: إن مقاربة أكرم زعتري لا تندرج اطلاقاً ضمن هذا السياق. زياد دويري في «الصدمة» مثلاً، يصوّر العدوّ مرجعاً للقيم الايجابيّة، فينحني أمامه (وأمام كل أشكال التمويل والتسويق الممكنة لأفلامه في الغرب) ملتمساً الأعذار للعربي الطيّب ــ الذي يشكّل استثناءً ـــ وهو براء من آثام شعبه «الهمجي» و«المتخلّف» (!) أما مشروع أكرم زعتري، فلا يحاول في أي لحظة «أنسنة العدوّ» أو غسل جرائمه. بل بالعكس، فإن الجريمة هي الصفة الملازمة لصورة العدوّ في «رسالة إلى طيار رافض»، فيما الفرد الطيّب الذي عصى الأوامر يبقى الاستثناء الذي يؤكّد القاعدة. يستند العمل (تجهيز فيديو) الى قصّة طيّار اسرائيلي رفض تنفيذ أوامر قيادته القاضية بقصف مدرسة في صيدا خلال اجتياح ١٩٨٢، لكن سرعان ما ارسلت القيادة طيّاراً آخر قام بالمهمّة على أكمل وجه. تجربة زعتري تنتمي إلى أعمال كلاسيكيّة في تاريخ الفن، تبحث في قلب الحروب، رغم الظلام الدامس، عن «بصيص أمل» على الضفّة الأخرى.

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@