في ظلّ ما يحصل في الشّارع المصري من انقسام بين أبناء الثورة والمطالبين بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي، تَهلُّ عبر شاشة «mbc مصر» شركة «كوكاكولا» بإعلان رمضاني لها يحمل شعار «نرجع تاني واحد.. ليه لأ؟». ويبدأ الإعلان بجملة مفادها أنّ «كوكاكولا مش ناسية إن طول عمرنا واحد»، كأنّها تقول من دون أن تنطق بها: «لكن أنتم أيّها المصريّون نسيتم، وها نحن نذكّركم بذلك!».
ثم يسير الإعلان بأغنية غربية اللحن والأسلوب، ترافقها مشاهد وصور للشارع المصري، مثل اتكائه على جدار رُسم عليه غرافيتي لقبضة يد كتب فوقها: «كلّنا إيد وحدة»، ومشهد لمجموعة من الشباب والشابات المحجبات وغير المحجبات يجلسون القرفصاء في «ميدان التحرير» ويغنّون. طبعاً، وللضرورات الوحدويّة الثورية التي تؤكد أنّهم جميعاً «إيد وحدة»، يجلس معهم شاب مُلتح، ويغنّي بحماسة. ومع هذه المشاهد تقول أغنية الإعلان: «ما تقولش لأ.. قول ليه لأ؟ سيبك من كلّ النّاس وبنفسك إبدأ. صالح الناس سامح. عيش لبكرا وانسى مبارح». حشو مبتذل من الكلمات، يحثّ الشعب المصري على المصالحة والوحدة الوطنية المثالية الحالمة كي يتجمّع على مائدة واحدة يناقش فيها مستقبل بلد يبلغ 7000 آلاف عام وهو يشرب الـ«كوكاكولا» التي انضمّت إلى صفوفه أيضاً!
وتعبيراً عن المزيد من الوحدة والألفة الدينية التي يتّسم بها الشعب المصري، رغم الفتن التي ساهم حكم «الإسلاميين» القصير في إشعالها، يظهر مقطع قصير من مشهد سينمائي مصري بالأبيض والأسود لرجل دين مسلم، وآخر مسيحي، يتصافحان، ويُكتب على المشهد «اتّحدنا». السّؤال هنا: ألم يجد مخرج الإعلان مشهداً حقيقياً واحداً لرجلي دين يتصافحان للدّرجة التي جعلته يستند إلى مشهد تمثيلي من فيلم منقرض؟
ومحاكاة من هذا المشروب الغازي للعمق التاريخي «الرومانسي» والوردي لمصر في الإعلان، تظهر صورة للراحل عبد الحليم حافظ وهو يقبّل يد أم كلثوم، مع تعليق على الصورة «قدّرنا بعض»، وكأنّ الـ«كولا»، حريصة منذ وقت طويل على وحدة مصر وتاريخها الفني، ومذّاك وهذا المشروب مهتم بتقدير الفنّ المصري ورعايته.
يتعامل الإعلان مع التشظي في الحالة المصرية من خلال طرح ساذج للوحدة الوطنيّة، لتظهر كأنّها ضرب من ضروب الموضة. يقوم بتسطيحها وتقديمها بصورة سخيفة، ويصوّرها كأنّ الأمر عبارة عن «هيّا بنا نتوحّد يا حلوين، هيّا بنا نشرب الكوكاكولا ونفرح». من المستفز أيضاً هو استخدامه لعبارة «مكمّلين» في الأغنية.
هذه العبارة التي صدح فيها الشعب المصري تأكيداً وإصراراً منه على استكمال ثورته ضد حكم العكسر قبل عامين، ولاحقاً ضد حكم الإخوان. لم تكتف «كوكاكولا» برعايتها لبطولات العالم في كرة القدم وغيرها، ها هي الشعوب أيضاً تثور برعاية هذا المشروب الأميركي الذي يُعدّ رمزاً من رموز ثقافة الاستهلاك التي تستولي على العقل الجمعي، ليصبح أيضاً رمزاً للاستهلاك الثوري.