ينحو بعض المغنّين اللبنانيين إلى التمثّل بفضل شاكر بعد اعتزاله الفن، واحترافه العنف والإجرام والإرهاب. إذ يُصدم من يقرّر حقاً التمعّن بعدد من كلمات الأغنيات الجديدة التي تبثها الإذاعات اللبنانية على مدار الساعة، من كمية العنف المحشوّ في هذه الأغنيات، كرصاص معدّ للقتل. هذه أغنية غرامية لنوال الزغبي تُعرب فيها عن نيتها قتل من يفكّر في جرح حبيبها «تعبان قلبي مطرحك، زعلان بدي فرّحك، واللي بفكر يجرحك، برتاح منه وبقتله» (أغنية «قلبي اسألو). بهذه البساطة، تمرّ الرغبة في القتل، بعاديّة مخيفة، في أغنية يفترض أنها لتهذيب الروح، وتنشيط الحبّ. نوال تقول في الأغنية إنها قادرة وراغبة في القتل، لترتاح ممن يفكّر في جرح حبيبها. وهي ليست وحدها بين مغنّي هذا الزمن من تعلن صراحة رغبتها في القتل، أو تستخدم عبارات عنيفة في الأغنيات. فهذا ناجي الأسطا يغني: «واللي بصيبك بالعين انشالله بعينه يتقوّص»، حاملاً تمنيات بالقتل رمياً بالرصاص، وفي عين من يصيب حبيبته بالعين. الأسطا يضرب عرض الحائط بمعادلة العين بالعين، لتصير العين برصاصة في العين. تماماً مثلما قرّر محمد اسكندر أن يخرطش مسدسه في رأس من يرمي حبيبته بوردة «اللي بيرميكي بوردة براسه بخرطش فردي»، وتماماً كما يعبّر عابد المولى عن حبّه لفتاة أحلامه بـ«ارفع ايدك سلم نفسك/ انت محاصر بين أحضاني»! في مقاربة أمنية خالصة للحب، تستحضر الاعتقالات والمداهمات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية. هذه النماذج تبدو لطيفة إذا قورنت بأغنية فارس كرم، المليئة بالصور العنيفة التي تبدأ بـ«لأمشيلك حافي بين الأفاعي»، وتبلغ ذروتها مع «لأدبحلك عنتر واهديكي راسه»! هل فكّر كاتب الأغنية في المشهد الذي يقدّمه لنا مع ألحان هابطة؟ هل كان يُشاهد حينها عمليات الذبح التي ترد عبر اليوتيوب من سوريا أو من أفغانستان؟ ما الذي يدور في رؤوس كتّاب الأغنيات اللبنانية؟ وكيف يقبل المغنّون تأدية هذا النوع من الأغنيات الملأى بثقافة القتل والذبح والانتقام؟
محمد اسكندر في أغنيته الذكورية والميزوجينية «جمهورية قلبي» يقول «بكرا المدير بيعشق وبيتحرّك إحساسه وطبيعي إني إنزل هدّ الشركة ع راسه»! وفي كليب الأغنية، لدى بلوغه هذا المقطع، نشاهد اسكندر وهو يقحم مسدسه في فم المدير المسكين الذي يتمرّغ على الأرض، ثم يدوسه المغني بحذائه، في مشهد يشبه أفلام التعذيب الممارس من قبل رجال الاستخبارات في البلدان القمعية. هل يراد لهذه اللغة ولهذه الثقافة أن يصير حضورهما عادياً في الأغنية اللبنانية، ربما تماشياً مع الأوضاع التي تعيشها البلاد المتخمة بأخبار القتل والتفجيرات والجرائم والتهديدات؟ أو ربما يطبق المغنون مقولة أن الفن يعكس الواقع. لكن هل هذا فنّ حقاً؟ الجواب عند فضل شاكر!