تونس | أمام الزلزال الذي أحدثه اغتيال الشهيد المناضل محمد البراهمي أول من أمس، اضطرت وزارة الثقافة التونسية إلى إلغاء كل العروض الفنية في المهرجانات الصيفية «بسبب حالة الحداد التي تعيشها البلاد»، بعد الاغتيال الثالث الذي تشهده تحت حكم الإسلاميين. وفي بيان أصدرته أمس، ألغت الوزارة كل العروض الفنية والثقافية إلى أجل غير مسمّى، احتساباً لاستمرار حالة الغضب والاحتقان في الشارع التونسي، ما يهدد السير الطبيعي للعروض. لكنّ هذا الإجراء سيؤدي إلى مشاكل قانونية، خصوصاً أنّ هناك عقوداً والتزامات مع فرق وفنانين يشاركون في المهرجانات المختلفة في تونس.
ضمن هذا المفترق الحاسم الذي دخلته تونس، أعلنت «الحركة الثقافية الثورية» التي تأسّست الأسبوع الماضي عزمها المشاركة في إسقاط النظام، من خلال المشاركة في الاعتصامات التي تشهدها البلاد منذ يوم أمس الجمعة، ويتوقع أن تبلغ ذروتها خلال جنازة البراهمي اليوم وغداً الأحد. وقد دعت الحركة أنصارها إلى المشاركة في الحراك الشعبي و«الالتحام مع أبناء الشعب في الساحات والشوارع، المطالبين برحيل المجلس التأسيسي وحلّ الحكومة واستقالة الرئيس المنصف المرزوقي».
ولدت «الحركة الثقافية الثورية» بعد نجاح حركة «تمرّد» في مصر في تعبئة الشارع ضد حكم الإخوان المسلمين وإسقاطه بعد انحياز الجيش إلى المتظاهرين السلميين. وعقدت «الحركة الثقافية الثورية» اجتماعاً مفتوحاً قبل أسبوع للتوقيع على بيانها التأسيسي. هكذا، احتضنت «قاعة الحمراء» (وسط العاصمة) التي يديرها المسرحيان عز الدين قنون وليلى طوبال هذا اللقاء الذي شهد إقبالاً كبيراً من المبدعين والمثقفين والإعلاميين.
ويساند أبرز المبدعين التونسيين في المسرح والسينما والموسيقى والأدب هذه الحركة التي فتحت فروعاً لها في مختلف المناطق، وتطوّع فيها الفنانون الشبان والنقابات والفرق الفنية التي تشكّلت بعد الثورة.
«الحركة الثقافية الثورية» التي يقف وراء تأسيسها عدد كبير من كبار المبدعين التونسيين والمنتجين على غرار الفاضل الجعايبي، وعز الدين قنون، وجليلة بكار، وتوفيق الجبالي، والحبيب بلهادي، تطالب بحلّ المجلس التأسيسي، واستقالة الحكومة، وتشكيل حكومة إنقاذ، واختيار لجنة خبراء لكتابة الدستور وإقامة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون ستة أشهر. إنّها المطالب نفسها التي تلتقي فيها مع حركة «تمرد» التونسية. كذلك ستعمل الحركة، حسب بيانها التأسيسي، على الدفاع عن حرية الرأي والتعبير التي أصبحت مهددة من الجماعات السلفية المتطرفة التي وجدت في حكومة الترويكا الكثير من التسهيلات للانتشار وفرض رؤيتها على الشارع في مناسبات عديدة، عبر تعطيل أو منع بعض العروض الفنية بحجة تعارضها مع الإسلام، وهي ظاهرة قمعية جديدة عوضت قمع أجهزة بن علي.
هذه الحركة الثقافية التي لا تحمل رئيساً ولا ناطقاً رسمياً ولا مكتباً إدارياً تعدّ تجربة جديدة في المجتمع المدني التونسي الذي لم ينقطع منذ «١٤ يناير ٢٠١١»، وخصوصاً بعد صعود الإسلاميين إلى الحكم، عن الدفاع عن حرية التعبير التي تعرّضت مراراً للاعتداءات، منها الهجوم على قاعة سينما «أفريكا آرت» التي أغلقها مالكها خوفاً من السلفيين، وفضاء «مسرح الحلقة» الذي احتله السلفيون وحوّلوه إلى مسجد، والاعتداء على صالات ثقافية وسينمائية ومبدعين، والحجة الجاهزة دوماً هي «الإساءة إلى الدين الإسلامي»... فهل تنجح «الحركة الثقافية الثورية» في أن تكون قلب الحراك الثقافي في خضم هذه المرحلة الفاصلة التي تعيشها تونس؟




تونس/ لبنان 1982

عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية بيروت في العام ١٩٨٢، اضطر الزعيم الحبيب بورقيبة إلى اتخاذ قرار هو الأول من نوعه منذ تأسيس المهرجانات عام ١٩٦٦. يومها، أعلن عن إلغاء المهرجانات الصيفية بعدما خرج التونسيون إلى الشوارع مطالبين بفتح باب التطوع للالتحاق بالمقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية. هذا الحدث تذكره التونسيون أمس، حين ألغت وزارة الثقافة إلى أجل غير مسمى كل العروض الثقافية والفنية بعد اغتيال محمد البراهمي. علماً أنّ تذاكر حفلة ماجدة الرومي المقررة في 5 آب (أغسطس) ضمن مهرجان «قرطاج» قد
نفدت كلّها.