في القرن التاسع الميلادي، وفي بلاد الأندلس، وتحديداً في شبه جزيرة أَيْبِيرِيَا التي تشمل اليوم إسبانيا والبرتغال وأندورا ومنطقة جبل طارق، نشأ هجين موسيقي أممي متجانس، يضم الموسيقى الإسبانية الكنسية ونظيرتها الأمازيغية، إلى جانب التقليد الموسيقي العباسي الذي انتقل عبر شعراء وموسيقيين مثل زرياب، حين هاجر من الموصل إلى الأندلس.
استجابةً لأجواء الغناء المزدهرة وقتها، ظهرت الحاجة إلى قالب شعري يتناغم مع اللغة المحكية، ويتضمن التعابير الرومنسية الإسبانية، ويلبي حاجة الموسيقيين لكلام شعري يناسب التلحين المُوَقّع (من إيقاع) بعدما كانت القصائد الموزونة تُرتجل في قالب «الاستهلال» و«النشيد»، أو تُغنّى موَقَّعة على نفس لحن البيت الأول كقالب «البسيط».
هكذا، ولد «الموشّح» تشبيهاً بوشاح المرأة المرصع باللآلئ والمجوهرات، ليس فقط لأنه خرق قواعد العروض، بل لأن تلحين الأبيات القصيرة نسبياً يزيدها طولاً لكثرة الزخرفة والآهات، فبات تلحين الموشح أمراً ضرورياً لتعبئة بعض الفراغات الوزنية في الشعر، وهو ما أشار إليه ابن سناء الملك (1150 ــ 1212) بقوله «إنّ التلحين يجبّر كسر الموشح، ويشفي سقمه، ويردّه صحيحاً ما به قلبة»، علماً أنّه صاحب كتاب «دار الطراز في عمل الموشحات»، وكان له الفضل في انتشارها في مصر والشام، بينما يعود أول موشح إلى شاعر اسمه مقدّم بن معافى
القبري.
في القرنين التاسع عشر والعشرين، ظهرت موشحات جديدة، من ملحنيها محمد عثمان صاحب «ملا الكاســات»، وأدّاه عبده الحامولي الذي أسهم في نقل الموشحات من الأوساط الشعبية إلى القصور.
وفي أوائل القرن العشرين، اشتهر ملحّنو موشحات أمثال سلامة حجازي وداود حسني وكامل الخلعي، وآخرهم المجدّد سيد درويش الذي لحن وأعاد إنتاج أكثر من 40 موشحاً، وغنت له فيروز في أسطوانة «أندلسيات» موشح «شادي الألحان» على مقام الراست، حيث اختلف أداؤها عن أداء صباح فخري لناحية التصرف واختيار الأبيات وتعديلها، واختلف أداؤهما كذلك لألحان مجهولة المصدر مثل «جادك الغيث» على لحن «بالذي أسكر»، و«يا غصن نقا» و«لما بدا يتثنى» على مقام نهاوند وميزان سماعي ثقيل 10/8. أما آخر الأعمال الجدّية على الموشح، فظهرت في القرن الحادي والعشرين مع فنانين جدد مثل ريما خشيش، ولينا شماميان وغادة شبير في ألبوم «موشحات» (2007)، حيث أعادت توزيع موشّحات من ألحان قديمة وجديدة، وحافظت فيها على العناصر التقليدية من حيث عناصر الارتجال والزخرفة. الموشح ماضيه بدايةٌ شعبية بسيطة ثائرة على القوانين، وحاضره جادٌّ وملائمٌ لنضجٍ بات عمره ألف عام.