يا خسارتك يا حميدة
لعلهاّ المرة الأولى التي يتبرّأ فيها السيناريست مصطفى محرم من أحد مسلسلاته. الرجل اعتاد الدفاع بشراسة عن كل ما يقدّمه على الشاشة، ومهاجمة أعمال الآخرين بالقوة نفسها، لكن مع «ميراث الريح»، رمى الكرة في ملعب المخرج يوسف شرف الدين، متّهماً إياه باختيار أسلوب غير متطوّر لاخراج المسلسل، ومجاملة زوجته الممثلة المغمورة صفاء مغربي. خرج العمل كأنه من إنتاج الثمانينيات. ميلودراما يحبّها المصريون مستوحاة من الملك لير، لكنها قدمت بطريقة لا يمكنها الصمود وسط المنافسة الكبيرة في رمضان 2013.

أما نجم العمل محمود حميدة، فالتزم الصمت. صاحب التاريخ السينمائي الطويل، وأحد أبرز ممثلي مصر على الاطلاق، كان يتمنى العودة إلى الشاشة الصغيرة بعد 23 عاماً من الغياب بمسلسل مختلف، لكنّ الرياح جاءت بما لا يشتهي نجوم العمل، الذين خسروا جميعاً في المشاركة في المشروع.
وإذا كان حميدة يحتفظ برصيده السينمائي الكبير، فسمية الخشاب، التي غابت عن موسم رمضان 2012، تعد غائبة أيضاً هذا العام بسبب مستوى «ميراث الريح»، فيما لم تسجّل عفاف شعيب أي حضور. أما باقي أبطال المسلسل، وخصوصاً الوجوه الجديدة، فلن يحسبوا المسلسل الذي عرض حصرياً على «دريم» و«ايه آر تي حكايات» من بين الأعمال التي رفعتهم درجة في سلم
الفن.

إلهام مش مهضومة

المكانة التي تتمتع بها الهام شاهين على الساحة الفنية وما تعرضت له من هجوم بذيء من التيار السلفي قد يبرّران امتناع النقاد عن توجيه اللوم إلى مسلسلها «نظرية الجوافة». غير أنّ آراء الجمهور التي يمكن رصدها بسهولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكّدت أنّ الدور السياسي الذي أدّته الممثلة المصرية في الفترة الأخيرة لا يعني أنّ المسلسل سيحقق نجاحاً كبيرا،ً رغم الجدل الذي انطلق مبكراً حول برومو العمل، الذي تضمن العديد من الضحكات المستوحاة من خطابات الرئيس المعزول محمد مرسي. ربما هنا يكمن الخلل: المباشرة في انتقاد النظام الإخواني قبل سقوطه، جاء بمردود عكسي، لأنّ الجمهور توقع سريعاً نوع الحوارات و«الإيفيهات». وجاء تغيّر الوضع السياسي في مصر لتبدو الحلقات كأنّها تتناول عصراً لم يعد موجوداً. لا ينكر هذا حجم الجهد المبذول في المسلسل، وشجاعة الهام شاهين في تقديم الكوميديا للمرة الأولى، وكذلك وجود عدد كبير من النجوم كضيوف الشرف، لكن هذا الجهد لم يكن كافياً لجذب الجمهور في العرض الأول، فيما أصدر «المجلس القومي للصحة النفسية» بياناً اتهم فيه مسلسلات عديدة، من بينها «نظرية الجوافة»، بأنها تقدم معلومات مغلوطة عن المرضى النفسيين. وأكد المجلس استعداده الكامل لتقديم أي معلومات عن الطب النفسي، وقانون رعاية المريض النفسي إلى أي فنان ومبدع يريد الكتابة في مسألة الطب النفسي، لكنّ الدعوة خرجت بعدما وصلت «نظرية الجوافة» إلى الجمهور الذي رفض تناولها.

وسقط «خلف الله»

لماذا اختار نجم بحجم نور الشريف وخبرته مسلسلاً مثل «خلف الله» ليخوض به سباق رمضان 2013؟ سؤال طرحه الناقد طارق الشناوي، قد تمثّل إجابته تفسيراً لحالة العزوف الجماهيري عن متابعة المسلسل، رغم أنه يحمل توقيع المخرج حسني صالح، الذي قدم إلى نور الشريف أحد أنجح أعماله في السنوات العشر الأخيرة وهو «الرحايا». معظم المسلسلات التي عرضت حصرياً لم تنل حقها من المشاهدة حتى يحكم عليها الجمهور، لكن الوضع كان استثنائياً لنور الشريف. كنجم كبير، أخفق الشريف العام الماضي في مسلسل «عرفة البحر»، الذي عرض أيضاً حصرياً على «الحياة». وهذا العام، شاهدناه عبر قناة «دريم» بقصة تدور حول رجل تتعرّض كل أسرته للموت حرقاً، فيتحول إلى شخص يقرأ المستقبل ويسهم في شفاء الملبوسين من الجنّ والعفاريت. موضوع قد يتابعه الجمهور في أي وقت، لكن وسط صخب السياسة وتفوّق مسلسلات تخطت تقاليد الدراما المصرية العتيدة، لم يكن ممكناً أن يمرّ «خلف الله» ضمن قائمة المسلسلات الناجحة في رمضان 2013. يضاف إلى ذلك عدم استعانة الشريف بنجوم معروفين إلى جواره من مختلف الأجيال على عكس المعتاد. صحيح أنّ المسلسل لم يخل من الممثلين المخضرمين، لكنه لم يضم العدد الكاف منهم. واكتملت الدائرة مع الأحداث التي تدور بالكامل في قرية مغلقة على نفسها، بينما جمهور الدراما يبحث عن أفق أوسع عبر الشاشة الصغيرة، فسقط «خلف الله» من الحسابات.

أليس في دمشق

لم يذكر أحد أنّه شاهد طلال مارديني داخل أسوار الجامعات السورية إلا من باب المصادفة. ومع ذلك، نذر السيناريست نفسه للكتابة عن مشاكل طلاب المدارس والجامعات. وفي رصيده حتى اليوم، أربعة أعمال، ثلاثة منها عن الطلاب. سبق أن قدّم جزءين من مسلسل «أيام الدراسة» عن مجموعة شباب تجمعهم علاقة قوية ومفارقات كوميدية مقبولة. وقد جسدت الشخصيات مجموعة نجوم شباب متخرجين من المعهد العالي للفنون المسرحية، استحقوا عندها نجاحاً جماهيرياً لدى شريحة المراهقين والطلاب، لكنّ النجاح العابر راق مارديني، فقرر أن يصنع عملاً جديداً على المنوال ذاته، فإذا به يقدم نسخة مشوهة عن «أيام الدراسة»، ويسند عدداً من الأدوار إلى الممثلين أنفسهم الذين ظهروا بالكاركترات نفسها من دون تغيير. في «أيام الدراسة»، استعارة فجة من مسلسل الأطفال «أليس في بلاد العجائب»، وتشبيه الشخصيات بأوراق اللعب لتبرير تسمية المسلسل، ثم رصد خرافي لواقع جامعة يتسيدها الفوضى والهزل والسخرية الممجوجة من الأساتذة. كل ذلك وسط حوارات مطولة، إن تمكن المشاهد من جلد ذاته لمتابعتها، فسيخرج حتماً بنتيجة واحدة مفادها أنه أضاع وقته مقابل لا شيء. لم يسمع مارديني بأستاذ الفلسفة الطيب تيزيني، وكيف كان يتهافت طلاب جامعة دمشق لحجز مقاعد في محاضراته. كذلك، لم يسمع بالدكتورة نهلة عيسى، وكيف كانت تمنع طلابها من الكلام من دون رفع اليد وطلب الإذن، فاكتفى بنماذج من أساتذة وطلاب لا تعرفها جامعات سوريا، بقدر ما تعرفها مسلسلات كسيحة كـ «فتت لعبت».


«خرزة زرقاء» خربتها

صحيح أنّ معظم الأعمال السورية التي قدّمت هذا الموسم لم تكن في المستوى المطلوب، وربما تفوز عشرة مسلسلات أو أكثر بقائمة الأعمال الأكثر رداءة، من بينها مسلسلات «التالي» و«زنود الست» و«حمام شامي»، الذي لم يتمكن صناعه من تسويقه إلى أي محطة، إلّا أنّ بطل تلك الأعمال بلا منازع هو مسلسل «خرزة زرقاء» للكاتب شادي كيوان والمخرج محمد نصر الله الذي يصف العمل عبثاً بأنّه كوميدي. وللأمانة، يستحق هذا المسلسل خرزة زرقاء فعلاً كي لا يصاب بالعين! إذ يعوّل صنّاعه على لهجة ريف السويداء لتكوين عمود المادة الكوميدية، من دون قدرته على انتزاع بسمة عابرة من مشاهديه. وربما يكون الاستحقاق الأكبر لهذا العمل هو عجز شركته المنتجة «جومان» عن تسويقه، واقتصار عرضه على محطة واحدة هي «سوريا دراما». وتبدو واضحة محاولة التقليد العبثية لمسلسل «الخربة»، من دون أن يتمكن من تقليده في شيء سوى ببعض الممثلين أمثال محمد خير الجراح، وممدوح الأطرش. تمرّ الحلقات التي لم تسجّل نسبة مشاهدة واضحة أو أصداء عند المشاهد السوري مع غياب أي عمق درامي أو حبكة حقيقية تمسك القصة. ربما يكون العمل حالة ظلم حقيقية لممثليه، الذين اختاروا البقاء في سوريا وحاولوا بذل جهود حثيثة لنيل رضى الجمهور، لكن ليس بمثل هذه الأعمال تُنال الأماني.



كارثة | عرض... أزياء

قد تستحق مصمّمة الأزياء السورية ردينة تابت سويدان كتابة اسمها منفردة على شارة «صبايا». الجزء الخامس من المسلسل، الذي يفترض أنّه يقدم حكاية اجتماعية خفيفة، ظهر على شكل عرض للأزياء ولأحدث تقنيات الماكياج على وجوه بطلاته: هبة نور، وجيني اسبر، وستيفاني سالم، ونادين ولسن نجيم وليليا الأطرش. عمل يسطّح الذائقة، ويستخفّ بالمشاهد، لكنه يعبئ الوقت على «روتانا خليجية» التي تنتج المسلسل مع شركة «بانة». وغابت عن قلم كاتبته نور الشيشكلي أي ملامح لحبكة درامية متماسكة، أو اقتراب من الواقع العربي، فيما أُسندت البطولة المطلقة لملكة الجمال السورية جيني اسبر، التي تنطّحت لدور الراوي للحدث، من دون النطق السليم لمخارج الحروف. كذلك، غابت أي لمسة إخراجية للأردني محمود الدوايمة، الذي اكتفى بالتركيز على مفاتن ممثلاته من دون صياغة مبرر درامي يقنع مثلاً بسبب انتقال الأحداث إلى لبنان بعد سوريا والخليج.

تم تعديل هذا النص عن نسخته الورقية بتاريخ 6 آب 2013