دمشق | تشير النتائج الأولية لاستفتاءات الإذاعات والمواقع السورية المهتمة بالدراما، إلى أنّ المشاهد السوري انحاز للمسلسلات التي تحاكي وجعه. من مجمل الإنتاج الدرامي المحلي هذا الموسم (31 عملاً)، لا حديث يتردد في الشارع، أو مواقع التواصل الاجتماعي إلا عن الأعمال التي تتناول الأزمة كـ «منبر الموتى»، و«سنعود بعد قليل»، و«حائرات»، و«وطن حاف». ويخرج عن هذا التصنيف «سكر وسط» و«يا مال الشام». يبدو «منبر الموتى» (الولادة من الخاصرة 3) صاحب الحظوة الأكبر في الشارع السوري (بغض النظر عن مستواه الفني، حيث النص أقوى بكثير من الصورة). يكفي أن يحين موعد عرضه الأول على إحدى المحطات العربية، حتى يبدأ صوته بالتسرّب من المحال التجارية، وجدران البيوت، ثم يصل صداه إلى فايسبوك. معارك حقيقية تنتقل من مشاهد المسلسل إلى الجدار الأزرق بين عشّاق الكاتب سامر رضوان، و«كارهي مسلسل الولادة من الخاصرة3». معظم المشاهدين يتابعون العمل كما لو أنهم يشاهدون نشرة أخبار يعجز الإعلام الرسمي السوري عن تقديمها، أو برنامجاً وثائقياً يبحثون فيه عن ذواتهم، أو يقيسون مدى شفافية طرحه، مقارنةً بقناعاتهم. اللافت في «منبر الموتى» (نشدّد هنا على المستوى الجماهيري لا النقدي) أنّ أصحاب الاتجاهات السياسية المختلفة لم يتفقوا على حلقة واحدة من حلقاته، إلا أنهم يتابعونه «بالمرصاد» رغم حملات التخوين والهجوم التي استهدفت فنّانين مشاركين فيه.أما «سنعود بعد قليل»، فكان مفاجأة الموسم، ليس من حيث جرأة الطرح فقط، بل في سلاسته أيضاً. رغم الإيقاع البطيء والتطويل، والحوارات التي لا تخلو من التنظير الأجوف، إلا أنّ العديد من المشاهدين السوريين وجدوا شبهاً بين شخصياتهم، وبين أربعٍ من شخصيات العمل على الأقل، هي راجي (رافي وهبي)، ومريم (دانا مارديني)، كريم (باسل خياط)، فؤاد (قصي خولي). بالتأكيد هناك من يشبه نجيب (دريد لحم)، بهذا الحجم من الفقد، والعاطفة، والحنين. وثمّة همس يقول إنّ الفنّان الكبير دريد لحّام بدا في المسلسل أحبّ إلى الناس، مما هو عليه في الواقع، بسبب الحملات الكثيرة التي استهدفته منذ اندلاع الأحداث في سوريا. كأنّ المسلسل كان عربون العودة الجماهيرية للحّام، ليجد فيه المشاهدون على اختلاف توجهاتهم (باستثناء المتطرفين في مواقفهم)؛ صورة الأب السوري الباحث (وسط كل ما يجري) عن ملاذ آمن يصرّ على أن يكون المكان الذي ولد وعاش فيه.
«حائرات» يتقدم في استفتاءات المواقع الإلكترونية السورية، وينافس بين أفضل خمسة أعمال هذا العام. ولو أتيحت له فرص عرض أفضل على محطات عربية، لربما كان أكثر متابعةً في رمضان. يرصد العمل انعاكسات ما يجري في سوريا على الناس، اجتماعياً، واقتصادياً. ثمة خطف، ونزوح، وانفجارات، وأصوات قصف، وأحداث ساخنة، وحديث عن فساد مجتمعي، ولكن دونما صراعات تحاكي ما يحدث في الشارع، أو إقحام للخلاف في وجهات النظر السياسية (ذلك يتكفل به صوت نشرات الأخبار لقناة محليّة تتولى مهمة سرد ما يجري). أما «وطن حاف»، فلم تتح له فرص عرض جيدة أيضاً، لكن هذا لا يعني أنّه لم يحظ بجماهيرية، وإن كان ذلك ضمن نطاق ضيق. هناك مَن يذكر اسم مؤلف العمل كميل نصراوي في الشارع، ويربط عمله بالتجليات الأولى للسلسلة الانتقادية الراسخة في وجدان السوريين «بقعة ضوء»، فالسخرية المرّة قد تكون الحل في إعادة التفكير بما يجري. بعيداً عن الأزمة وانعكاساتها، قوبل «سكر وسط» بأصداء كبيرة في استفتاءات المواقع والإذاعات المحلية، إذ ينافس على المراكز الأربعة الأولى. ورغم أن أحداثه تدور في 2004، إلا أنّ واقعية القصة ربما أثارت شجون المشاهد السوري (من سكان دمشق تحديداً). أعادت حكاية العمل إلى الأذهان مرحلة باع فيها الكثير من سكّان المدينة منازلهم ليذهبوا إلى خيار السكن في أرياف العاصمة بتأثير مما عرف بـ «الفورة العقارية».
وينافس أيضاً على المراكز المتقدمة في الاستفتاءات «يا مال الشام- حدث في دمشق» المقتبس عن رواية قحطان مهنا (وداد من حلب)، الذي يعدّه كاتب السيناريو عدنان العودة رسالةً إلى كل السوريين بشأن ضرورة المحافظة على نسيجهم الاجتماعي عبر شخصية «وداد» (سلاف فواخرجي) اليهودية الدمشقية التي تمسّكت بانتمائها لوطنها رغم الظروف والسنوات التي أبعدتها عنه. ومن اللافت أيضاً أن ينافس العرض الاستعادي لمسلسل «عيلة خمس نجوم» أهم الأعمال السورية المُنتجة هذا العام وفق الاستفتاءات. كأن اتجاهات المتابعة هذا الموسم محكوم عليها بالسجال، والألم، والحنين... أما الترفيه (الوظيفة الحقيقية والأولى للدراما) فما زال مؤجلاً... ولا ندري ما إذا كان «سيعود بعد قليل».




نجدة أنزور يتصدى لـ«المحاكم الشرعية»

بدأ «تحت سماء الوطن» للمخرج نجدة أنزور يتقدم في استفتاءات وسائل الإعلام السورية حول نسب المشاهدة لموسم 2013. يتناول المسلسل الأزمة التي تعصف بالبلاد عبر 10 ثلاثيات ألّفها كتّاب عديدون، ونال نصيباً كبيراً من الجدل في الصحافة قبل عرضه بسبب تصوير أنزور عدداً من مشاهده في إحدى أكثر مناطق الريف الدمشقي سخونة، ما أثار حفيظة أهلها المهجرين. وبعدما كانت أصداء العرض في الموسم الرمضاني ضعيفة، عاد السجال بعد عرض الثلاثية التي كتبتها هالة دياب، وتتحدث عن ممارسات ما بات يعرف بالمحاكم الشرعية، وتجارة الأعضاء البشرية.