وفاءٌ مستعادٌ
نعم!
أحببْتَها...
من نصفِ قَرْنٍ ، وأنتَ تئِنُّ ؛
تذكرُ كيف أسرى بوجْدِكُما قطارُ الليلِ ...
لم تُحبِبْ سواها
وإنْ عاشرتَ سبعاً من العَبِقاتِ وُدّاً .
أنت تدري... كأنك لم تُقَبِّلْ غيرَها!
ما زال طَعْمٌ من الجوريّ في شفتيكَ، منها ...
لقد أدميتَ منفتَحَ الطراوةِ،
أين تمضي بكل الوردِ؟

لم يذبلْ
ولم تذبلْ
كأن القطار يظلُّ من بغداد يسري
إلى نخلِ الجنوبِ...
كأن ماءً شفيفاً من عيونِ الله
يجري.
هذا القطارُ الذي مضى بكما، القطارُ ذو السكّة الضيّقة
القطارُ ذو مقصورة النوم الصغيرة مثل غرفة أطفالٍ...
سوف يحملك ، يوماًما ، من البصرة إلى بغداد، مكبّلَ اليدين.
كم حاولتَ أن تؤنسَ الشرطيّ المكلَّف ! كنتَ فتىً آنذاك!
نعم... أحببْتَها
كانت فتاةً لها طَعْمُ العجينِ
وكان فيها من الطّلْعِ المفَتَّحِ ما تَقَطَّرَ...
كنتَ تدري بأنكَ لن تنامَ
وكنتَ تدري
بأن فتاتكَ انتظرتْ طويلاً لتهنأَ بالقطارِ.
لقد وصلْنا!
عربات الدرجة الثالثة التي تنقل الجنود والفلاّحين والطلبة الفقراء
العرباتُ التي يئنُّ فيها الخشبُ ، ويئزُّ الذبابُ والسعالُ والـصهدُ،
هذه العربات تتنقّل بالسجناءِ، ليتوزّعهم العراقُ العميقُ . كنتُ
مع الرفيق سامي أحمد ، رسغي اليمين مُوْثَقٌ إلى رسغـه الشمال.
أخيراً
تعلّمتُ أن الحياةَ التي قُدِّرَتْ لي، هيَ الصورةُ!
الأمرُ أعسرُ من أن تقولَ : لقد عشتُ ...
أبسطُ من أن تقولَ: سلاماً!
إذاً، فلْنكُنْ في القطار ...
نعم...
أنت أحبَبْتَها!
لندن 22.06.2013

■ ■ ■


برلينُ الصيفُ

سأكونُ عند ودادٍ الحوراءِ في أيلولَ ،
آنَ الخمرةُ البيضاءُ
والقنَواتُ ...
في برلين،
سوف أكونُ مرتبكاً:
ودادُ حبيبتي الأولى
الصبيّةُ في زمانِ الوردِ ...
كدتُ أُجَنُّ مَلْسوعاً، أقولُ: ودادُ بغدادُ!
المقاهي لن تُغَلِّقَ، لحظةً، أبوابَها، في الصيفِ .
سوف تلُمُّ طاولتي، ودادَ، وزهرةَ الخشخاشِ ...
لكنْ، كيف يأتيني الكلامُ؟
لسانيَ التأتاءُ قد بَرأتْهُ أوربا طليقاً ...
هل ستفهمُني ودادٌ؟
هل أقولُ لها : صباح الخير ؟
أَمْ أمضي أُقَبِّلُها؟
ودادُ
تحبُّني،
لكنْ... أتفهمُني؟
أظنُّ الـحُبَّ رَبَّ المعجزاتِ...
إذاً
سأمضي
مثلَ مجنونٍ
أُقَبِّلُها!
لندن 04.08.2013

■ ■ ■


تقولُ لي إقبالُ

أوَكُلّما قرّرْتُ أن ألقى الحياةَ، كما هيَ، اشتطّتْ بيَ الأغصانُ!
بالأمسِ، كنتُ، كما ألِفْتُ، أسيرُ منسرحاً مع القنواتِ،
لكني رأيتُ الشوكَ والقرّاصَ مُخْضَرّينِ
مندفعَينِ
أغمقَ من ندى النعناعِ!
إن تكُنِ الحياةُ كريمةً، كعوائدِ الممشى على جنْبِ القناةِ
فسوف أقول: أهلاً!/ هكذا.../ وتقولُ لي إقبالُ: يا سعدي، أحبُّكَ!
هكذا.../ وأنا أُصّدِّقُها/ لأن الصدقَ مرآتي، وأعرفُ أن إقبالَ الكريمةَ، دونَ أسئلةٍ ، تُصَدِّقُني.../ أُطِلُّ :
الغيمُ ينقشعُ
البحيرةُ، في البعيد، تلوْحُ واضحةً
وصافيةً ...
لندن 09.08.2013