عكّا | في «لما شفتك» (إنتاج شركة «أفلام فلسطين»)، تقف آن ماري جاسر على بعض التغييرات التي طرأت على حياة أشخاص عاديين في ظلّ ظروف غير عادية تُفرض عليهم: احتلال وتهجير وفقدان. انطلقت المخرجة هذه المرّة من التفاصيل الحياتية الصغيرة التي لم توثّقها السينما الفلسطينية كثيراً على مدار تاريخها منذ النكبة عام 1948. يُسرد الشريط بعيون طفلٍ بريء يسأل:«ليش أنا موجود هون (في المخيم) وبيتي هناك (في فلسطين)؟»، ويفسّر حياته ببساطة من دون تعقيدات ايديولوجية ومخاوف أو لغة يتقنها «الكبار فقط»، كأنّ حُلمه الطفولي الصادق يُحارب اليأس الذي تعيشه والدته.
يأخذنا العمل إلى النكسة، وأجواء ومراحل تهجير الشعب الفلسطيني وعبوره من وطنه إلى الأردن، من خلال سرد حكاية الطفل طارق (محمود عسفة) وأمه غيداء (ربى بلال) اللذين كانا قد انفصلا عن الأب (صالح بكري) أثناء الحرب، ليجدا نفسيهما في مخيم «حرير» للاجئين الفلسطينيين في انتظار عودتهما إلى فلسطين. لكن فترة الانتظار لم تكن قصيرة، بل امتدت لسنوات عديدة، كما حصل مع الجيل الذي مرّ بالتهجير عام 1948. لكن الانتظار والأمل والرغبة بالحرية المتجسدة في حاجة الطفل وشوقه إلى والده، تحمله على الانضمام إلى معسكر سري للفدائيين الفلسطينيين.
تسيطر على الفيلم اللغة الرومانسية التي عزّزها السيناريو كما فعل العنوان، وهذا ما لا يختلف كثيراً عن خيارات آن ماري جاسر في فيلمها «ملح هذا البحر» (2008)، هي التي تعتبر أنّ التعامل برومانسية مع النكسة أمرٌ لا يتناقض مع الواقع النضالي. إلى جانب هذا، أعطت أغنيات وموسيقى الشريط الروائي بعداً نوستالجياً أيضاً، أهمها أغنية «يا ليل لا تروح» التي كتبت كلماتها، ولحنتها وغنّتها الفنانة الفلسطينية ربى شمشوم. هنا، يصف مطلع الأغنية فلسطين بأنّها «جنة مليانة ألحان» فيها «بساتين الياسمين والبرقوق والرمان والصبر والتين»، المقطع الذي شاركت ربى في غنائه مجموعة من طاقم الفيلم، يقول خلال مشهد في الظلمة: «شوي شوي يا ليل لا تروح/ إذا بان النهار/ بتبان الجروح...» لتُختتم بجملة: «أسود/ ولا مرة الليل بيدوم».
من خلال قصة هذه العائلة الصغيرة المكونة من طفل ووالديه، استطاع العمل الفلسطيني/ الأردني المشترك أن يحكي قصص مئات العائلات الفلسطينية التي لا تزال تعيش حتى اليوم في سؤال الأم غيداء «ليش خسرنا كلّ إشي؟»، كما لا تزال تملك الأمل في العودة. كلّ هذا لا يبتعد أيضاً عن القصة الشخصية لآن ماري جاسر المقيمة في عمّان اليوم بعدما منعها الاحتلال من دخول فلسطين قبل خمس سنوات تقريباً. من خلال ذكرياتها عن المكان ووادي الأردن (غرب الأردن) المطلّ على فلسطين، تمشي آن ماري جاسر في مسار إجابة الأم على سؤال ابنها طارق «وين بيتنا؟»، فتقول له «عند الشمس... وين بتروح الشمس، هناك بيتنا».