لم يطلب أحد من إليسا تلك الليلة أن تدين التفجير الارهابي في الرويس. لم يكن أحد أصلاً ينتظر منها أن تبدي أي تعاطف أو تضامن مع ضحايا المجزرة، وأهلهم والمنكوبين في الضاحية الجنوبيّة لبيروت. كان بإمكانها أن تبدي حدّاً أدنى من الحياء، بحدود الإجماع الوطني الذي التزمت به «المستقبل» وmtv لا أكثر.
كان بوسعها أن تصمت وتحتفظ بمشاعرها لنفسها، فتكتفي بالغناء كما كان ينتظر منها جمهور تلك الأمسية من «أعياد بيروت»، ما دامت الأعياد، حتّى الآن، ممكنة في بيروت. لكن لا، أرادت أن تدلي بدلوها بعد «النشيد الوطني»، وأن تشرك الناس في ما يعتمل في وجدانها: «هذه المرة الأولى التي لا أستنكر فيها ولا أتأسف»، قالت نجمة الأغنية الاستهلاكيّة. عجباً! أبهذه الصراحة؟ ثم متى استنكرت وتأسفت ومن تمنّنين بذلك؟ لو أنّ إليسا خططت لتلك الخطوة لاعتبرناها «شجاعة» وإن فاجرة ومنافية للأخلاق. فربّ قائل إن الوقاحة أفضل من الخبث، على الأقل يمكنك أن تطمئن إلى من يشمت بك علانية، فذلك أفضل من أن «يقتلك ويمشي في جنازتك». لكن الست إليسا لم تخطط لهذا الاعلان الخطير على الأرجح، كل ما في الأمر أنّّ الأدرينالين صعد فجأة إلى دماغها على المسرح، فاستسلمت لهواية لبنانيّة عريقة هي التشفي والشماتة.
ثم راحت «المطربة الرعناء» تحاول أن تستدرك هول ما أعلنته، في مطوّلة استطراديّة محشوّة بالتناقضات، مشبعة بالهبل السياسي: «هم أهلنا لبنانياً وإنسانياً»، و«نحن كـ«مقاومة» مفروض على كل إنسان أن يقاوم وأن يعمل ضمن اختياراته»، و«أتمنى من الذين يجب أن يستنكروا، أن يستنكروا، وأن يساعدونا لأن الكيل طفح»! لكن سيف الحقد والتعصّب كان قد سبق عذل التكاذب الأهلي. في لبنان التعصّب أقوى من الخبث، والأهواء والغرائز أقوى من قواعد اللعبة. وزلّة لسان إليسا تفضح هشاشة الخطاب السياسي الذي تستند إليه، وتعبّر عن لاوعي جماعة تخلط بين الغيتو الذي تعيش فيه وحدود الوطن. هذه المرأة تجسّد الوعي المريض لفريق كامل. لقد قالت، على سذاجتها، ما لا يجرؤ على قوله «رجال دولة» يشنّفون آذاننا بخطاب الوطنيّة والسيادة ودولة المؤسسات. إليسا قالت لنا، بمعزل عن قيمة فنّها، إنّها غير مهتمّة بكرامة الجمهور. قالت، بغض النظر عن قدرتها المحدودة على الاستيعاب والتعبير، إنّها لا تعتبر أهل الضاحية لبنانيّين، بل هم عفاريت خضر، وغرباء، وأشرار. «هم» في كل الأحوال كتلة نمطيّة لا تشبه تصوّرها للـ«نحن»، يستحقون كل المصائب وأبشع القصاص. من المهمّ جدّاً تحديد الـ«هم» والـ«نحن» في عبارة إليسا «حصل معهم ما يحصل معنا». لكن، ألا يفترض بالـ«نحن» أن يتعاطفوا قليلاً مع الـ«هم»، ما داموا قد ذاقوا اللوعة نفسها تحديداً؟

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@