الأردن | يصعب على الصحافي في الأردن أن يقنع نفسه بالحياد بعدما بات مهدّداً في لقمة عيشه. بدأت الحكاية بإقرار قانون المطبوعات والنشر المعدّل الذي تفانى معدّوه في إخراجه بأفضل صيغة للانقضاض على حريّة الرأي والتعبير والصحافة، ما أفضى إلى حجب أكثر من 200 موقع إلكتروني (5/6/2013) بحجّة عدم الترخيص وفق القانون الجديد الذي لا يعني الانصياع له سوى فرض صحافة الرأي الواحد. هكذا، وجد العاملون في الصحف الإلكترونيّة أنفسهم في مواجهة مباشرة مع السلطة، مهدّدين برزقهم بعد حجب مؤسّساتهم التي أعرض عنها المعلنون نتيجة هذا الإجراء. وسرعان ما شملت سياسة «قطع الرزق» العاملين في الصحف الورقيّة التي تعاني أزمات ماليّة تهدّد وجودها. ارتفاع كلفة الطباعة، وتراجع سوق الإعلان، يهدّدان قدرة الصحف على الاستمرار، ولا سيّما في ظلّ سياسة الجباية المتطرّفة التي تمارسها السلطة عبر فرض ضرائب ورسوم باهظة على مداخيل الصحف، فضلاً عن الحصار المالي الذي تفرضه حكومة الظلّ على الصحف الأسبوعيّة المناوئة للسياسات الرسميّة.

من هنا، طالب رؤساء تحرير الصحف اليومية الأردنية أخيراً الحكومة بالتدخل لإنقاذها من الأوضاع الصعبة التي تعانيها الصحافة المطبوعة، مشيرين إلى أنّ «صحفهم باتت مهددة بالإغلاق». ورأى مراقبون أردنيون أنّ «من الغريب أن تطلب الصحافة المحلية النجدة من الحكومة» التي «لن تقدم على هذه المساعدة مجاناً»، مشيرين إلى أنّ «هذا واحد من أغرب التصرفات التي تلجأ إليها هذه الصحف للخروج من مأزقها».
جريدة «المجد» مثلاً، تعرّضت لحصار مالي قاس بسبب مواقف رئيس تحريرها فهد الريماوي المعارضة للسياسات الرسميّة، فما كان من المركز الأمني إلا أن أوعز إلى أدواته بـ«عمل اللازم، وتجفيف منابع الإعلان»، بما يضمن عجز الصحيفة عن الاستمرار حتى باتت مهددة بالتوقف عن الصدور، أو «المباعدة بين الأعداد» على الأقل. لا يعني هذا أنّ الصحف الرسميّة وشبه الرسميّة في منأى عن الانهيار. بعد «الرأي»، تشهد صحيفة «الدستور» الأكثر التصاقاً بالمواقف الرسميّة، أزمةً قاسية بسبب الضرائب والرسوم المرتفعة، ويُتوقّع أن يؤول مصيرها إلى ما آلت إليه «العرب اليوم» (1/3/2013) التي توقفت عن الصدور أخيراً.
أما حكاية «العرب اليوم» المشاغبة، فلا يمكن حصرها في إطار «الأزمة الماليّة»، بل تعود إلى صراع قديم بين مراكز القوى، لكن «الطبخة» لم تنضج إلا اليوم. حالما انتهت معركة تصفية الحسابات، اكتملت حلقات اللعبة، لنشهد تصفية الصحيفة بذريعة ماليّة عوضاً عن إغلاقها بقرار سياسي يثير الجدل. وهكذا وجد أكثر من 200 صحافي وعامل في «العرب اليوم» أنفسهم على قارعة الطريق.
حالة غضب عارم تنتشر بين الإعلاميّين الذين لا يمكنهم اتّخاذ موقف الحياد أمام سياسات تهدّد أمنهم المعيشي. وفي ظلّ تنامي الاحتجاجات الاجتماعيّة والإضرابات التي ينظمها العاملون في مختلف مؤسّسات الدولة، التنفيذيّة والتشريعيّة وحتّى القضائيّة، من الطبيعي أن نشهد تبلور «حراك إعلامي» مناوئ للسلطة، ما يعني استنهاض مختلف الشرائح والفئات الاجتماعيّة في مواجهة مفتوحة على الاحتمالات كافة.
الغريب أنّ رئيس الوزراء عبد الله النسور، أبلغ عدداً من الزملاء الذين التقوه للحوار في قضيّة تصفية «العرب اليوم» أنّه «ليس لديّ أيّ حلول». وعندما أخبره أحدهم بأنّه يشعر بالإحباط نتيجة هذا الموقف، ردّ الرئيس قائلاً: «إذا مش عاجبكم احرقوا إطارات في الشوارع».