الرباط | بإعلان مدينة طنجة عن إنشاء «مؤسسة محمد شكري»، يكون الستار قد أُسدل على تأخر دام عشر سنوات تلت رحيل الكاتب وضاع خلالها جزء كبير من ذاكرة الراحل الذي لم يخلّف أبناءً. خلال الدورة التاسعة من مهرجان «تويزا» الذي تنظّمه «مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية» في طنجة، أُعلن السبت الماضي عن «مؤسسة محمد شكري» ضمن شراكة تجمع مجلس المدينة ووزارة الثقافة المغربية ترمي إلى حفظ ذاكرة كاتب يعتبر من أكثر أبناء جيله ممن كتبوا بالعربية إثارةً للجدل. خلال السنوات التي سبقت رحيله، فكّر محمد شكري (1935 ــ 2003) في حفظ ذاكرته من التلف، هو العارف بأن رحيله قد يؤدي إلى اختفاء إرثه الأدبي في بلاد نادراً ما تعنى بحفظ الذاكرة. «شحرور طنجة» الذي عاش حياة صاخبة في المدينة الكوزموبوليتية، أصرّ في آخر عمره على إنشاء مؤسسة تعنى بتركته، وكان من الأسماء التي يفترض أن تتولّاها: وزير الثقافة السابق الشاعر محمد الأشعري، والناقد المغربي محمد برادة، والمستشار الملكي الساب حسن أوريد إلى جانب رئيس اتحاد كتاب المغرب السابق عبد الحميد عقار. حينها، وقّع محمد شكري بعض الأوراق التي يفترض أن تكون وراء إنشاء المؤسسة، لكن بعد رحيله في تشرين الثاني (نوفمبر) 2003، تبيّن أنّها أوراق لا تملك أي مشروعية قانونية، فدخل المشروع كلّه نفقاً لم يخرج منه إلا في الآونة الأخيرة.
حَلم صاحب «الخبز الحافي» أن تشرف مؤسسته على ما ينشر من كتبه، وتخصَّص جائزة أدبية تحمل اسمه في فروع الرواية، والقصة والمسرح. لكنّ أحلامه ظلّت معلقة بعد رحيله. كان صاحب «زمن الأخطاء» على علاقة غير ودية بأقاربه، ويعلم أنّهم لا يقدرون قيمة ما أنتجه، وهو ما حدث فعلاً. حصل شقيقه بشكل قانوني على تركته من المخطوطات والكتب ليبيع جزءاً منها إلى أجانب، ويضع جزءاً آخر في قبو، لتختفي الكثير من المواد الأساسية لإعادة قراءة تاريخ الكاتب أو تعاني من تلف بسبب غياب شروط حفظها. عدم التسريع في إنشاء «مؤسسة محمد شكري» أسهم في فقدان الكثير من مقتنياته، واللوحات، ورسائله، ومخطوطاته التي قد تميط اللثام عن الكثير من التفاصيل في حياة رجل جعل معيشه اليومي وذكرياته، مادةً أساسية لأعماله الأدبية. غياب مؤسسة تحمي أدب الراحل أساء الكثير إلى أعماله، خصوصاً أنّ ورثته دخلوا في نزاع قانوني حول إرثه وكيفية توزيع التركة، بينما تعرضت كتبه لقرصنة مهولة من قبل العديد من دور النشر العربية، مما أسهم في تعقيد الوضع. لذا، يأمل كثيرون أن تنجح «مؤسسة محمد شكري» التي أُعلن عنها أخيراً في حفظ ما تبقى من هذا الإرث. إلى جانب مهمة حفظ تركته، ستتولّى المؤسسة الإشراف على إقامة ندوات، ومحاضرات، ولقاءات أدبية وثقافية، على أن تتولّى وزارة الثقافة مهمة الإشراف عليها، وستحظى بمنحة مالية من مجلس مدينة طنجة. لكن المسألة قد تظل حبراً على ورق، مع صعوبة العثور على مقتنياته الخاصة التي توزعت بين قبائل المعجبين، واللصوص، وتجار هذا النوع من الوثائق النادرة. وبحسب بعض وسائل الإعلام المحلية في طنجة، فإن نواباً عن «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي، رفضوا في البداية اتفاقية الشراكة بين مجلس المدينة والمؤسسة، بحجة أنه لا يمكن تقديم منحة لمؤسسة لم تخلق بعد قبل أن يتراجعوا عن موقفهم، بعدما لمّح عمدة طنجة فؤاد العماري بأنّ الرفض قد يتعلق برفضهم لمضمون أعماله الأدبية. لكنّ أعمال شكري بحد ذاتها تحفظ جزءاً من ذاكرة المدينة. مَن غيره وصف بدقة حواري وأحياء المدينة وشخصوها خلال جزء من تاريخها؟ بحفظ ذاكرة شكري، ستحفظ المدينة، والمغرب معها، أطيافاً من حياة سابقة عاشتها المدينة الدولية. مدينة تحفظ بعض مفاتنها إلى اليوم رغم تجاعيد الزحف الإسمنتي، وتحولات سوسيولوجية واقتصادية، أفقدتها صورتها الأولى كمنفى اختياري، وأرض حرية للكتاب والمثقفين من كل الجنسيات. وبعيداً عن «مؤسسة محمد شكري»، فإنّ مسألة حفظ الذاكرة الثقافية في المغرب هي جزء من معضلة حقيقية تعيشها الثقافة والمبدعون في البلد. وقد تدلّ عليها المبادرة الرمزية التي أقدم عليها الكاتب عبد اللطيف اللعبي قبل أشهر قليلة حين منح أرشيفه الشخصي لإحدى المؤسسات الفرنسية. فالكاتب والشاعر المعروف يدرك جيداً أنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لحفظ الأدب والثقافة المغربيين في ظل غياب أي مؤسسات حقيقية لحفظ الذاكرة. ولهذا فقدنا أرشيف مثقفين كثر كمحمد زفزاف، ومحمد خير الدين، وعبد الله راجع، ومحمد قاسمي، رغم ما قدموه للثقافة المغربية، في حين أنّ ذاكرة آخرين لم تحفظها إلا جهود خاصة لأصدقاء ومحبين كما حصل مع محمد عابد الجابري، ومحمد لفتح، وأحمد البوعناني، وقلة قليلة جداً نجت من لعنة النسيان.



جائزة لـ«شفيع» المهمّشين

أعلن أصدقاء محمد شكري ممن شاركوا في مهرجان «تويزا» أنّ «مؤسسة محمد شكري» ستضم لجنة للحكماء ومجلساً إدارياً. ودعوا إلى «تسخير هذه المؤسسة للنهوض بالثقافة الموجهة نحو العالم أجمع كما فعل كاتب «الخبز الحافي» من خلال استلهام رؤية محمد شكري للأدب والحياة، والقائمة على الحداثة والانفتاح والصراحة وروح النقد والاهتمام بالمهمشين». كما دعوا إلى استحداث جائزة أدبية لتشجيع الكتّاب الشباب على التوثيق لإرثه.