يسهم كتاب «الوحي الأميركي ـــ قصة الارتباط «البناء» بين أميركا والإخوان» (مركز المحروسة ـــ القاهرة) للصحافي المصري عبد العظيم حماد (كان رئيساً لتحرير جريدة «الأهرام» عقب «ثورة 25 يناير» 2011) في تفسير الموقف الأميركي لإدارة الرئيس باراك أوباما مما يجري في مصر عقب أحداث «30 يونيو» الماضي التي أسقطت نظام الرئيس الإخواني محمد مرسي بدعم من القوات المصرية المسلحة.
بما احتواه من معلومات وتحقيقات استقصائية مع قيادات إخوانية وخبراء في الإسلام السياسي في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، يركّز الكتاب على الدعم السياسي الأميركي لحكم جماعة الإخوان المسلمين الحالي. ويؤرخ أيضاً للعلاقة التي جمعت بين الطرفين منذ أربعينيات القرن الماضي في عهد مؤسس الجماعة حسن البنا. علاقة راوحت بين العداء والمقاطعة، وتحولت إلى توجس متبادل، واتصالات غير رسمية، إلى أن وصلت اليوم إلى التأييد المعلن.
في هذا العمل، يرى عبد العظيم حماد أن إسرائيل ومصلحتها كانتا دوماً كلمة السرّ التي تفسر أسباب العداء وتعلل أسباب الدعم والتقارب، راصداً ما سمّاه «أميركا الصهيونية»، وعارضاً أبعاد الالتزام الأميركي نحو إسرائيل، والاجتهادات الكثيرة في تفسير هذا الالتزام، وأسباب رسوخه في الماضي والحاضر والمستقبل، على الرغم من تناقضه في أحيان كثيرة مع ميثاق الأمم المتحدة، ومع المصالح الأميركية ذاتها. في هذا السياق، يشير حماد إلى العلاقة التاريخية بين أميركا وجماعة الإخوان في فصل حمل عنوان «أميركا والإسلام السياسي». يقارب الأخير السياسة الأميركية وموقفها من الإسلام السياسي منذ أول اتصال أميركي بجماعة الإخوان المسلمين المصرية عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة لغاية إقرار استراتيجية الارتباط «البنّاء» في عام 2007. ويوضح كيف تنظر منظمات الإسلام السياسي على رأسها جماعة الإخوان المسلمين إلى الولايات المتحدة، وسلوك هذه المنظمات في مواجهة السياسات الأميركية.
يكشف المؤلف أنّ رغبة أميركا في تولي جماعة الإخوان المسلمين حكم مصر بدأت منذ عام 1954، وكيف أفرد الكاتب الأميركي روبرت باير في كتابه «النوم مع الشيطان» تفاصيل تعاون المخابرات الأميركية والبريطانية مع الإخوان المسلمين ضد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عقب تأميم قناة السويس في عام 1956، للاتفاق معهم على تولي حكم مصر بعد إسقاط ناصر بغزو عسكري، وهو ما لم يحدث بسبب فشل العدوان الثلاثي.
ويلفت حماد الى أنّه منذ عام 2005 مع ازدياد حركات الاحتجاج الشعبي ضد حسني مبارك، نصحت الإدارة الأميركية الإخوان بتغيير نبرتهم تجاه الدولة العبرية. ويرى أنّ هذا التغيير الذي تمثّل في تصريحات لقادة الجماعة وأبرزهم عصام العريان، جاء في مقدمة أسباب التحول في العلاقة بين أميركا والإخوان من العداء إلى التحالف، وهو يقدم في ذلك الكثير من المعلومات التي تنشر للمرة الأولى، منها على سبيل المثال تأكيده أنّ ترشّح الإخوان لرئاسة الجمهورية عقب أول انتخابات في ظل «ثورة يناير» كان بطلب من الولايات المتحدة، وكان ذلك ـــ على حد قول المؤلف ـــ أول وحي ينزل من واشنطن على مكتب الإرشاد في المقطم.
يسلّط حماد الضوء على العلاقات المصرية الأميركية الإسرائيلية بعد اعتلاء الإخوان قمة السلطة في مصر، مشيراً إلى الدور القطري في إتمام تلك الصفقة الكبرى. ويشير المؤلف إلى القرار المهم الذي اعتمدت فيه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس سياسة جديدة في عام 2007، تسمح لدبلوماسييها بالاتصال بالإخوان المسلمين في كل من مصر، والعراق، وسوريا، وبقية الدول العربية.
ويتوقف حماد أمام الكثير من اللقاءات السرية التي جمعت الرئيس المعزول محمد مرسي والقيادي عصام العريان وسعد الكتاتني مع مسؤوليين أميركيين أبرزها في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) 2011. يومها، التقى هؤلاء بالسيناتور جون كيري، والسفيرة الأميركية في القاهرة آن باترسون، وانتهى اللقاء إلى الاتفاق على أن تدفع الجماعة بمرشح لها إلى الانتخابات الرئاسية في الوقت المناسب، وخصوصاً إذا تعذّر وجود مرشح يحظى بقبول الشارع والإخوان والأميركيين، ومن ثم الإسرائيليين في الوقت عينه. وبناءً عليه، جرى التفكير بعد ذلك في المستشارين طارق البشري، وحسام الغرياني، ومحمود مكي، لكنهم رفضوا. وأخيراً، رسا المزاد بعد ذلك على منصور حسن، وزير أنور السادات الذي وقّع اتفاقية السلام مع إسرائيل، لكن شرط أن يكون القائد الاخواني خيرت الشاطر نائباً له. لكن حسن الذي عينه المجلس العسكري رئيساً لمجلس استشاري، لم يقبل أن يقوم بدور المحلّل للجماعة في علاقتها بإسرائيل من دون أن يكون له دور حقيقي في السلطة بين نائب إخواني ورئيس حكومة
إخواني.
ويحلل حماد موقف الإخوان المسلمين الأميركيين المغتربين وكيف أدوا الدور الرئيسي في قيادة الجماعة الأم في مصر إلى الانخراط في الاستراتيجية الأميركية للارتباط البناء، جنباً إلى جنب مع شركاء آخرين، على رأسهم الحكومة القطرية، وجماعة الإخوان المسلمين في قطر التي حلّت نفسها بنفسها، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين برئاسة يوسف القرضاوي، وأمانة محمد سليم العوا، والحكومة التركية وحزبها.
هكذا، نجح إخوان المهجر في تنظيم أنفسهم للتأثير في السياسة الأميركية إزاء الإسلام والمسلمين عموماً، اقتداءً بتجربة اليهود الأميركيين. وقد كانت وراء هذا التنظيم دوافع ذاتية تنطلق من الحفاظ على مصالح الإخوان المسلمين المغتربين كمواطنين أميركيين. يوضح حماد أنّه عندما يعمل اللوبي اليهودي في أميركا بنجاح على تطويع السياسة الأميركية في خدمة إسرائيل وأهدافها، فالمطلوب من اللوبي الإسلامي في الولايات المتحدة هو تطويع جماعته الأم في خدمة المطالب الأميركية بهدف تمكينها من الوصول إلى السلطة في مصر، ثم في بقية الدول العربية، ثم تطويع سياسات هذه الدول وفي مقدمتها مصر في خدمة الالتزامات الأميركية نحو إسرائيل،
كتاب عبد العظيم حماد يأتي في فترة حرجة ومفصلية في تاريخ مصر، ليظهر الدعم السياسي الأميركي الحالي للجماعة ومؤرخاً لهذا الانقلاب من مقاطعة إلى دعم مطلق... دعم ستبقى بوصلته مصالح إسرائيل.