«من يريد تأجيج الحرب؟»، سؤال ختم به مارسيل غانم مقدّمة برنامجه «كلام الناس» يوم الجمعة الماضي في حلقة خُصّصت لتغطية تفجيري طرابلس، واستكملت جوقة التجييش والتحريض مع أكثر من 10 ضيوف أغلبهم يقع في خانة التطرف والاستفزاز. حلقة لاقت اعتراضاً واسعاً لدى المواطنين مذ لحظة إعلان هؤلاء الضيوف، تبعتها دعوات لمقاطعة الحلقة عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
هذا السخط لم يأت وليد ساعته، بل بسبب حاجة الناس إلى التهدئة واحترام دماء الشهداء الذين سقطوا في طرابلس بدل تحويل المنابر الإعلامية إلى أبواق تبث الفتنة بين اللبنانيين. لعلّ هذا ما دفع مارسيل إلى نوع من الاستفاقة المتأخرة؛ إذ خصّص حلقة إضافية مساء السبت للناجين من تفجيري طرابلس أو ممن فقدوا أولاداً وأقرباء لهم بعدما أهملتهم الشاشات واطمأنت إلى سلامة الأمنيين والسياسيين. جرح ممتدّ من تفجير ساسين إلى الرويس وصولاً إلى تفجيري عاصمة الشمال كان حاضراً في الحلقة عبر مجموعة تجارب نجت من الموت وجمعتها المصيبة، رغم الاختلافات الدينية والسياسية. هكذا، تركت حلقة السبت الكلام لهؤلاء الذين وصفهم غانم بأنّهم «أهل الخير وأهل الحب» الذين جاؤوا ليقولوا للسياسيين: «كفى (..) جئنا نخبركم عنّا علّكم تتصالحون وتقفلوا الأبواب على الفتنة». الحلقة شكّلت مفاجأة للمتابعين؛ إذ لم يفصل بين حلقة بث الفتنة (حلقة الجمعة) وتلك التي بثّت روح الوحدة والمحبة سوى 24 ساعة عبر المنبر والشاشة نفسيهما. استجاب القائمون على البرنامج لصرخات المتألمين على امتداد مساحة الوطن ونبذوا السياسة وأهلها، وخصصوا ساعتين ونصف ساعة لنقل هذه الأوجاع وتشارك التجارب مع مروحة واسعة من الشهادات المتنوعة طائفياً وإيديولوجياً زيّنتها الطفلات زينب وجنيفر وسارة اللواتي جئن بضماداتهن البيضاء إلى الاستوديو ليتحدثن عن تجاربهن ويدعون إلى الوحدة ورفض العنف. هؤلاء أبكين المشاهدين ومعهم غانم، وكانت مشاركة لملحم خلف من جمعية «فرح العطاء» المرافقة لكل هذه الآلام تضامناً ومؤازرة في الميدان. حلقة إنسانية وجدانية بعنوان «جرح واحد من الرويس إلى طرابلس» وحّدت الضحايا في وجه المجرم الذي لا يعرف ديناً ولا جنسية. ولعل شهادة أحمد عبوس الذي فقد طفله وحفيديه في انفجار طرابلس ورباطة جأشه أمام هول الجريمة وبشاعة ما حلّ بأجساد أطفاله، اختصرت المشهد الأليم المقرون بالدعوة إلى تجريم كل المنابر المحرّضة. من «كلام الناس»، أشار عبوس بإصبعه إلى هذا المنبر، داعياً إلى توقّف الإعلام عن المساهمة في إذكاء نار الفتنة والاحتقان في الشارع. حلقة السبت التي توزعت بين الاستوديو في أدما وطرابلس، «أرجعتنا إلى ضميرنا» كما ختم مارسيل؛ «فالجرح يشمل الجميع وكذلك الموت والمصائب»، لتعلو موسيقى الجنيريك ويسدل الستار. لكن سُرعان ما أطلّت الوجوه المحرّضة والمتشددة، لكن هذه المرة على شاشة «الجديد» ضمن برنامج «الأسبوع في ساعة» أمس. ويبقى السؤال: إلى متى هذه المتاجرة بالدماء والرقص على الأجساد المتفحمة؟