القاهرة | للكاتب المصري الراحل يوسف ادريس قصة قصيرة بعنوان «المثلث الرمادي» حيث يتحرك السمك في الماء على هيأة مثلث. رأس المثلث يقود السرب بكامله، وقد تغريه نبتة خضراء، فيخرج عن المسار ليأكلها. يرتبك المثلث للحظات قصار، يفقد قائده، لكنّ سمكة أخرى تتقدّم وتأخذ مكان القيادة على رأس المثلث، فيستكمل المسار. يتذكر الشاعر زين العابدين فؤاد هذه القصة ليفسّر موقف بعض كبار المثقفين المصريين من محمد البرادعي، وهو موقف تغيّر كلياً بعدما أعلن صاحب «نوبل» استقالته من منصبه كنائب للرئيس المؤقت اعتراضاً على موقف الحكومة من فضّ اعتصامات الإخوان.
موقف جرّ عليه متاعب كثيرة، فكاتب بشهرة جمال الغيطاني نشر مقالاً على صفحة كاملة في جريدة «الأخبار» المصرية قائلاً: «هذا رجل خطر على الشعب والدولة» وشنّ هجوماً شرساً، متهماً مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق بأنّه يعمل على إعادة القوى المتاجرة بالدين إلى الحياة السياسية (في إشارة إلى الإخوان)، وأنه ناصر ثورة «30 يونيو» نظرياً، لكنّه يعمل على هدمها «عملياً». وحالما هدأت الضجة التي سبّبها الغيطاني، حتى احتلّ صنع الله ابراهيم المشهد مطلقاً تصريحات لصحيفة «اليوم السابع» طالت البرادعي الذي وصفه صاحب «ذات» بأنّه «سيذهب الى مزبلة التاريخ»، معتبراً أنّه من بين شخصيات زُرعت في مراكز بحوث غربية لتنفيذ مخططاتها، وذكّر بموقف البرادعي أيام حرب العراق زاعماً أنّه منح الغطاء لخطة بوش في تدمير العراق، وشدد على أنّ استقالته جاءت استجابة لأمر من أوباما. اللافت أنّ البعض فسّر مقال الغيطاني الذي عمل لسنوات مراسلاً عسكرياً بأنّها تعبير واضح عن غضب الأجهزة الرسمية من البرادعي في حين أثارت تصريحات صنع الله دهشة في أوساط مؤيديه نظراً إلى صورته كأيقونة، لا سيما أنّه وصف قائد الجيش المصري الفريق عبد الفتاح السيسي بـ«الشخصية الوطنية». وصف أزعج المتخوفين من «عسكرة الثورة المصرية». ولم تكد عاصفة الغيطاني وصنع الله ابراهيم تمر حتى أطلق شاعر العامية المصرية الشهير سيد حجاب تصريحات مشابهة، مما دفع كثيرين إلى التساؤل: هل ولع جيل الستينيات بالمؤسسة العسكرية يفسّر هذا الدعم غير المحدود لشخصية السيسي؟
وبعيداً عن الانتقادات التي طالت البرادعي، تعيد تصريحات المثقفين إشكالية العسكر في مصر كأنّ الأخيرة ما زالت مصرة على التمسك بعنوان كتاب أنور عبد الملك الشهير «مصر مجتمع يبنيه العسكريون». يقف المثقفون خلف المؤسسة العسكرية في كلّ معاركها الآن، أو قل كبار المثقفين. منذ التحول الدرامي في المشهد السياسي المصري في 3 تموز (يوليو) الماضي، تنفس المثقفون الصعداء بعد غياب وحش الاسلاميين عن السلطة، فالتقط العسكر الاشارة. جاء لقاء الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور بمجموعة من المثقفين في وقت مبكر لبعث رسائل الاطمئنان لهذه الفئة التي رأت أنّها «مهددة» من قبل الاسلاميين في الحريات العامة، خصوصاً حرية الرأي والتعبير. ورأى المثقفون أنّ اعتصامهم الاحتجاجي الطويل ضد آخر وزير ثقافة في عهد الاخوان مهّد الطريق لهذا التغيير، فقادوا المجتمع اليه، مستعيدين صورة المثقف الطليعي. اليوم مع ازدياد حدة الازمة مع الولايات المتحدة والغرب، ها هم يرغبون في اعادة إنتاج نموذج «مثقف التحرر الوطني». ومما يزيد من إغراء هذا النموذج أنّ أغلب الطليعة المصرية من جيل الستينيات المفتون بالنموذج الناصري. زد على ذلك أنّ بعضهم يزكّي عملية تحويل السيسي الى «ناصر جديد»، وهي عملية تجرى على قدم وساق، وتتنافس فيها أجهزة الدولة القديمة. في هذا السياق، جاءت بيانات اتحاد الكتاب الذي يرأسه محمد سلماوي بخلفيته الناصرية دعماً للقوات المسلحة لتكرّس لهذا المعنى الذي صاغه الشاعر «الفاجومي» أحمد فؤاد نجم في أكثر من اطلالة تلفزيونية، وأكّده صنع الله ابراهيم بوضوح حين اعتبر السيسي شخصية وطنية تحبط مخططات الغرب، وهي رؤية لم تختلف عما انتهى اليه مؤتمر نظّمه قطاع العلاقات الخارجية في وزارة الثقافة قبل أيام استدعى جيش مثقفي دولة مبارك في حضور وزير الثقافة العابر للأنظمة صابر عرب، وبقيادة أحمد عبد المعطي حجازي والممثلة الهام شاهين التي اعتبرت نفسها في طليعة التغيير ومنحت للسيسي «تفويضاً كاملاً» لابادة معارضيه. في مواجهة هذا الصخب، تبدو الأصوات المناهضة للعسكر ضعيفة وخافتة ومرهونة بخطاب حقوقي موصوم بعلاقته بالغرب وبشبهات التمويل الأجنبي، وهي شبهات تؤثر في صدقيته الأخلاقية أمام جمهور يعيش أقصى لحظات الحشد والتجييش. من جيل الشباب المدني المناصر لخطاب «ثورة 25 يناير»، يؤكد السينمائي باسل رمسيس أنّ المشكلة في حديث الغيطاني وصنع الله تأتي من دعمهما اللا محدود للعسكر كقوة سياسية حاسمة، وهي رؤية جيل له قواعد ممارسة سياسية معينة لا تلائم اللحظة الراهنة. لكنّ رمسيس ينظر إلى موقف صنع الله بوصفه تعبيراً عن الموقف اليساري الوطني والتقليدي الذي يستريب مما هو غربي بحكم الخبرة والتاريخ.

(بيان من الكاتب صنع الله ابراهيم)




مكره أخاك ..؟

خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الثقافة المصري محمد صابر عرب مع نخبة من المثقفين والفنانين قبل أيام، ناشد «كل مثقفي العالم مساندة أقدم حضارة شهدتها البشرية، والضغط على حكوماتهم لوقف تدخلاتها والضغوط الدولية على مصر». وأورد بيان صدر عن المشاركين أنّه «لم يكن أمام الجيش سوى الاستجابة للإرادة الشعبية بعدما فاضت ميادين مصر بالملايين وشهدت ثورة شعبية كي نسترد البلاد من حكم الإخوان». ومن الوجوه التي شاركت في المؤتمر الكاتب محمد سلماوي، والممثلة إلهام شاهين، والشاعر أحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم.