«هنا mtv من الضاحية الجريحة». نعم هنا mtv التي بثّت أوّل من أمس حلقة خاصة مع أهالي شهداء انفجار الرويس وبالتنسيق مع «أهالي المنطقة وحزب الله» كما أورد وسام بريدي. قد يثير هذا المشهد الاستغراب لقناة دأبت على الخصام السياسي مع هذا الحزب وبيئته. لكنّها كانت حلقة تستحق توجيه التحية لها، وتناسي التحريض الذي مارسته قناة المرّ وغيرها قبل الأحداث، على أمل مواظبة على هذا النهج المسؤول.
أكثر من ساعتين شاهدنا خلالهما وسام بريدي وسط الدمار وروائح الموت، مع خطاب إنساني واحد موحّد بعيداً عن السياسة وفي حضور أهالي الشهداء، وبعض الفنانين الذين أتوا إلى الضاحية أو شاركوا بتضامنهم عبر الهاتف مثل راغب علامة وعاصي الحلاني. ورغم الصعوبة اللوجستية، إلا أن قناة mtv وفّقت في تقديم «القلب واحد» ذات شكل ومضمون ناجحين. الصورة عكست هول الدمار بطريقة جمالية، وراحت الكاميرا تتنقل بحريّة بين الأبنية. فيما استعيض عن الشاشة العملاقة لمشاهدة التقارير بجهاز rétroprojecteur الذي تولّى إسقاط الصور والفيديوات. أما قاعدته الثابتة، فكانت تلك الأحجار الباطونية المعدّة للبناء التي تشي بورشة بدأت، وغبار نُفض عن المنطقة المنكوبة.
الخطاب الموحّد الذي استهل به بريدي الحلقة، ظلّ مرافقاً له طيلة الوقت. ترك المذيع ابتسامته المعهودة، وراح يتشارك الأحزان مع عوائل الشهداء. mtv التي أدهشت المشاهدين لدى تغطيتها تفجير الرويس باستخدامها خطاباً موحداً بعيداً عن المناكفات السياسية، ها هي تلقّح هواءها أول من أمس بهواء الضاحية. فـ«القلب واحد» (عنوان الحلقة)، والمصيبة تجمع «اختلفت المطارح والوجوه بس الدم واحد والوجع واحد» قال بريدي. لا شكّ في أن رسالة الأب يوسف مونس كانت الأقوى. هذا الرجل اللاهوتي ليس بعيداً عن الضاحية وأهلها، وصف الشهداء «بقرابين الفداء للوطن»، داعياً الى تغيير عميق في الخطاب الديني.
الممثلتان ورد الخال وكارمن لبس أضفتا قيمة معنوية على الحلقة في إعلاء الصرخة في وجه كل الأبواق الإعلامية المستضيفة للوجوه المحرّضة، ولتسليط الضوء على أهمية الوحدة بعيداً عن الأحقاد البغيضة. هذا بالإضافة إلى مشاركات من الدفاع المدني، وكانت هناك إضاءة على المجتمع المدني الذي أسهم في إغاثة أهالي الضحايا. وما بينهما أثواب سوداء ونساء محجبات جئن يحكين فاجعتهن ويتضامن مع وجع طرابلس وأهلها الذين شارك بعضهم في توحيد الكلمة والحزن.
لا شكّ أن حلقة «القلب واحد» كانت قلباً وقالباً واحداً، أضاءت من خلالها mtv «شمعة في هذه الليلة» كما قال الأب مونس. لكن ربما كان الأمر المنفر هو تكرار بريدي للمعزوفة عينها منذ بدء الحلقة وحتى لدى الختام عندما أعاد الحديث عن «رسالة القلب الواحد والمصير الواحد». كذلك، هناك لازمة أخرى كرّرها عن ضرورة أن يتحوّل كل مواطن إلى خفير في منطقته لكشف أيّ تحضير لعمل إرهابي. خطاب الوحدة مطلوب، لكن بهذه الوفرة يضحي منفّراً ينطبق عليه قول زياد الرحباني في عمله «شي فاشل»: «إذا انتو أخوة ليش بضلكون تحكو فيها (...)». مع ذلك، تحية الى mtv.