أخيراً، تحرّكت جهة لبنانية رسمية تجاه الجنون الذي يعمّ الشاشات اللبنانية بنحو غير مسبوق. طلب وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال وليد الداعوق في كتاب وجّهه أمس إلى رئيس «المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع» عبد الهادي محفوظ «توجيه إنذار فوراً وفي أقصى سرعة» إلى مارسيل غانم مقدّم برنامج «كلام الناس» على «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، لما تضمّنته الحلقة التي عرضت في 23 آب (أغسطس) الماضي من «إثارة للغرائز وتأجيج النفوس، وإذكاء للنعرات وتحريض على الإخلال بالسلم الأهلي والاستقرار العام في البلاد».
وركّز الوزير في كتابه على الصور التي بُثّت في الحلقة لجثث متفحمة زعم أنّها لبعض ضحايا انفجاري طرابلس، ليتبيّن لاحقاً أنّها لشهداء من «حركة 20 فبراير» الذين قضوا في حريق في أحد المصارف في مدينة الحسيمة المغربية. «اليوم. السلم الأهلي والاستقرار هما فوق كل اعتبار»، قال الداعوق لـ«الأخبار»، مضيفاً أنّ «عرض صور مشوّهة على أنّها من طرابلس وهي من بلد آخر، من دون الاعتذار حتى، أمر غير مقبول نهائياً»، ومشدداً على أنّ هذا «يناقض بنود «مشروع تعزيز السلم الأهلي في لبنان» (التابع لبرنامج الأمم المتحـدة الإنمائي والمموّل من الاتحاد الأوروبي) الذي وقّعت عليه lbci أخيراً». وعما بقي من التجاوزات التي ترتكبها المحطات اللبنانية في الآونة الأخيرة، رأى الداعوق أنّ «هذا ليس مقبولاً أيضاً، لكنّه انعكاس لواقع البلاد المزري، ويعتمد على صدقية المحطة».
بدوره، رحّب محفوظ في حديث مع «الأخبار» بالخطوة في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد وبالتالي الوسائل الإعلامية، مؤكداً أنّ المجلس سيجتمع خلال الأيّام القليلة المقبلة لبحث الموضوع واتخاذ القرارت اللازمة، لافتاً إلى صعوبة التحرّك في ظل استقالة الحكومة والانقسام السياسي الحاد الذي نعيشه. فيما استغرب كثيرون خطوة الوزير، طرحوا علامات استفهام حول قانونيّتها. يؤكّد المستشار القانوني لمؤسسة «مهارات» المعنية بحرية الرأي والتعبير طوني مخايل أنّه وفقاً للقانون 382/94 الخاص بتنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني لا توجد بنود تتعلّق بالإنذارات ضمن العقوبات التي تفرض على المؤسسات الإعلامية المخالفة. وأضاف أنّ المسألة تواجَه عادةً بوقف البث، لمدّة أقصاها ثلاثة أيّام عند المخالفة الأولى، وبين ثلاثة أيّام كحد أدنى وشهر كحد أقصى في حال المخالفة الثانية في ظرف عام واحد. وأوضح مخايل أنّه في الحالة الأولى، يأخذ وزير الإعلام القرار. أما في الثانية، فتوكل المهمّة إلى مجلس الوزراء بناءً على طلب من الوزير، مشدداً على أنّ التحرّك الرسمي لا يكون إلّا استناداً إلى اقتراح من «المجلس الوطني للإعلام» بعد اجتماعه. هنا، لفت المحامي اللبناني إلى أنّه يمكن الوزير أن يتصرّف من دون طلب المجلس إن تخلّف الأخير عن الانعقاد بعد 48 ساعة على دعوته. علماً بأنّ «المجلس الوطني للاعلام» ينعقد إمّا تلقائياً أو بناءً على طلب جهة معيّنة. إذاً، بحسب مخايل، لم يستند تصرّف الداعوق الأخير إلى نص قانوني، كذلك فإنّه طلب من المجلس الوطني توجيه إنذارٍ إلى مارسيل غانم في الوقت الذي لا تتعدى فيه صلاحية هذا المجلس حدود الاستشارة، الأمر الذي يرفضه الداعوق، معتبراً أنّ ما فعله «قانوني تماماً. ومن واجبي كوزير أن أتحرّك عندما تقتضي الحاجة». وبعيداً عن التفاصيل القانونية، الأكيد أنّ الكتاب الذي وجّهه الوزير أمس أحدث خرقاً ما في المشهد الإعلامي اللبناني، وقد يساعد في توعية البعض على مخاطر ما يحدث ودفع الجميع إلى تحمّل مسؤولياته، كذلك يعتبر خطوة إلى الأمام في مجال اعتماد العقوبات التدريجية التي يجب أن توضع على لائحة التعديلات التي ستُدخل على القانون. أما في ما يتعلّق ببطل الشاشات خلال الأيّام الماضية مارسيل غانم، فقد رفض التحدّث إلينا، منهياً المكالمة الهاتفية بانفعال شديد لا يرقى إلى مكانته الإعلامية!