أرسلت السماء أمس وزير الخارجية السوري وليد المعلّم في اللحظة الصحيحة ليعقد مؤتمراً صحافياً بحث فيه تداعيات التهديدات الأميركية، فتسيّد المشهد الفضائي السوري، ونشله فعلياً من غرقه في تغطياته السطحية، واستخفافه المنفّر من وصول الأزمة السياسية الخانقة إلى ذروتها. قبل المؤتمر، وصل متابعو التلفزيونات السورية إلى حافة «الكفر»، بمن فيهم المغالون في تأييدهم للنظام. لم يتردد هؤلاء في تعبيرهم عن هزالة التعاطي الإعلامي السوري مع التطورات الأخيرة. إحدى المحطات تحدّثت عن السياحة في طرطوس، ولم تتوان أخرى عن الحديث عن كيفية إعداد الكنافة، في حين اهتزت فرائص مشاهدي تلفزيون «سما» وهم يتابعون شريطه الإخباري المنوّع الذي يصوّر الكوارث البشرية، قبل أن تغرق المحطة في حالة تفاؤل كاذب وحنين مفبرك إلى دمشق أيّام السلام، من خلال كليبات تتغنّى بالشام. لكن مؤتمر المعلّم، عدّل مزاج المحطات السورية وأيقظها ــ ولو قليلاً ــ من سباتها المعهود، لتعود إلى حالتها السابقة بمجرّد انتهاء المؤتمر. سارعت مذيعة أخبار «الفضائية السورية» رائدة وقاف إلى استضافة محللين من جماعة «أنا أطبّل إذاً أنا موجود». استفاض هؤلاء في مديح ممجوج للمعلّم وظهوره المطمئن للبشرية، بعد ذلك، كان على المشاهد متابعة تقرير مصيري رصد نشاطات «الاتحاد النسائي العام»، المنظمة الرديفة لـ«حزب البعث»، ونشاطاتها النضالية بتنظيم حملات تبرّع بالدم!
بدورها، فاجأت «الإخبارية السورية» العالم بتفوّقها على نفسها، ومحاولة تجاوزها تاريخها الحافل بالفضائح في تغطية الملفّ السوري، عندما أرسلت فريقاً مدججاً من مراسليها إلى مؤتمر المعلّم، حتى إن الأخير استغرب وجودهم بهذه الكثافة، وتهافتهم على المايكروفون. ثم صاغت القناة الرسمية تغطية انسجمت مع تصريحات وزير الخارجية، عندما استضافت شخصيات أردنية غير معروفة لتُتحف الجمهور بخلاصة ذهبية مفادها أنّ «أمن الأردن من أمن سوريا». الإذاعات لم تكن أفضل حالاً، وعلى رأسها «إذاعة دمشق» التي خصّصت ساعات من بثّها لاختصاصية زراعية تحدّثت عن تنسيق الزهور والحدائق المنزلية، ناصحةً ربّات المنازل بأفضل المبيدات الحشرية لمكافحة الفطريّات.على خلاف ذلك، اشتعلت جبهة مواقع التواصل الاجتماعي، وجاد السوريون، بمن فيهم فنانون وإعلاميون، بمزيج من التحليلات والوجدانيات التي عبّرت عن مواقفهم من الضربة الأميركية المتوقعة. المواقع الإلكترونية الإخبارية كذلك وجدت فرصة إضافية لمزيد من التحليل، كلّ وفق هواه. لكن بدا واضحاً تجاوز موقع «كلنا شركاء في الوطن» حدود المعقول في تغطيته، إذ وجّه سهامه نحو السيناريست فادي قوشقجي على خلفية أحد تعليقاته الافتراضية والتعريف عنه بأنّه «ابن لواء سابق»، من دون ذكر صفته الفنية التي يشتهر بها.