التفاوت بات سمةً في أغلب المجموعات الأولى التي تصدر لشعراء وشاعرات يبدأون الكتابة تحت فكرة أنّ الشعر هو مسألة شخصية، وأنه أسهل وسيلة للتعبير عن هواجس صغيرة وعادية، وتحويلها إلى مادة كتابية يمكن الادعاء أنها شعر ما دامت تشبه الشعر الحقيقي فعلاً. الدارج حالياً هو القصيدة القصيرة أو الومضة المكتوبة بجملة واحدة أو العبارة التي تشبه ستاتوسات الفايسبوك.الكثافة المطلوبة في الشعر باتت موجودة بكثرة في هذه الكتابات التي (قد) تصبح شعراً، و(قد) تظل تشبه الشعر. داخل هذه الملاحظات، نقرأ بواكير جديدة، ولا نهتدي إلى طريقة آمنة للحكم على جودتها أو على ادعاءاتها.
هكذا، نقرأ مجموعة سولين الحاج الصادرة عن «دار نلسن» بعنوان غريب ومختصر بحرف استفهام «أَ»، حيث تتوالى 158 قصيدة قصيرة بعدد صفحات الديوان تقريباً، ونعثر فيها على سطور متفاوتة في جودتها، ومتشابهة في قوالب كتابتها، ومتشابهة في تركيزها على ثيمة واحدة هي الوحدة ومشتقاتها اللغوية.

الوحدة حاضرة بكثافة إلى حد أنّ الشاعرة تُهدي الديوان إلى نفسها، بينما تترك أغلب المقاطع في عهدة الذات المستوحشة وعزلتها المتفاقمة. أحياناً تكون ترجمة مقنعة لذلك كما حين تكتب «في وحدتي/ أغوص/ ما لي/ لا أجدُ القعر»، أو «لستُ وحيدة/ أجلسُ مع نفسي»، أو «في حوض نفسي/ أتقنُ اللعب/ في الماء». وأحياناً يبدو ذلك نوعاً من التكرار غير المجدي، أو محاولة إنجاز نسخ أخرى من الفكرة ذاتها، كما حين نقرأ «ما أوحشكَ يا سرير/ لِمَ لا يملأ فراغي فراغك؟»، و«وحدي/ أنظر في المرآة/ مرآتي/ يا أقسى أنواع الوحدة»، ثم يتحول هذا التكرار إلى تعبيرات زائدة عن الحاجة، وتحمل «إساءة» شعرية إلى المقاطع الجيدة والمقنعة، فنقرأ تعريفات غير ضرورية للموضوع في «أجمل أنواع الوحدة/ عندما أنظر في عينيك/ وأراني وحدي»، أو يتم اختراع حكمة أو فلسفة ذاتية في «خسر أصدقاءه/ لأنه صادق/ كسب الوحدة/ لأنه الوحيد». دخول الآخر/ الرجل على خط الوحدة يهدّد جودتها أكثر، إذْ يصبح الشعر معرضاً لتأثيرات العاطفة الزائدة التي يمكن لجمها في «لا أبكيكْ/ أبكي وقتي»، ولكنها تسيح وتضعف في «هاتان اليدان/ تقطفان الأحلام/ من عيون الناس/ وفي عينيّ/ لوحات مائية/ تزرعان». رغم ذلك، هناك استعاراتٌ وتعبيراتٌ تعدُ القارئ بنضجٍ نجده مبعثراً في سطور عديدة، ولعل خاتمة الديوان واحدة منها: «أأنا/ من كتب هذه الكلمات؟/ لا أذكرْ».