لا تحمل لوحات يزن حلواني (1993) العنف الذي يحمله فنّ الشارع. لذا، لا يبدو وجودها داخل الفضاءات الداخلية أمراً غريباً أو مستهجناً. بدأ حلواني فنّ الغرافيتي منذ سنوات، استطاع خلالها تطوير أدائه، خالقاً أسلوباً تصميمياً خاصاً به. أسلوب جمع فيه عناصر عدّة، أبرزها الكاليغرافيا العربية الشبيهة بالأرابيسك، وخطوطه الدقيقة والمنضبطة التي تمنح بورتريهاته ترفاً جمالياً مثالياً.
في ظل الإشكاليات المثارة حول انتقال فن الغرافيتي من جدران الشارع إلى صالات العرض، احتضنت غاليري 392RMEIL393 (الجميزة _ بيروت) منذ فترة المعرض الفردي الأوّل لحلواني، تحت عنوان «جمهورية الموز». لدى دخولك المعرض، تطالعك جدارية كبيرة على الحائط. بالأبيض والأسود، رسم حلواني قرداً يلبس بزّة رسمية وربطة عنق داخل إطار. هذان اللونان منحا القرد بملامحه الثابتة طابعاً جدياً مع لمسة كاريكاتورية تمثّلت في اختراق اللونين باللون الأصفر للموزة التي علت رأس القرد. هذا البورتريه الذي استخدم فيه حلواني الكاليغرافيا بشكل دائري لإنجاز إطاره الكبير، يحيلنا على الطبقة السياسية في البلد، إذ كتب حلواني جملة في أعلى الجدارية: «إذا لم يكن لبنان وطني، لاخترت كندا وطناً لي». بذلك، سخر الفنان الشاب من عبارة جبران خليل جبران الشهيرة، فيما عنون جداريته في الجهة السفلى بعبارة «جمهورية الموز» الشهيرة. ما وسم معظم أعمال حلواني هو الخط العربي والتنويع عليه، وتوظيفه في أماكن عدّة ليصبح جزءاً من تصميمه المعتمد في اللوحات. مثلاً، في «سلام وحبّ» التي استخدم فيها الأكريليك والبخاخ، رسم على كانفاس جمجمة باللون الأسود على ثلاث خلفيات من الخط العربي متعددة الألوان (النبيذي، والزهري والأصفر الفاقع). لكن هذه الخطوط لم تحمل جملاً أو أفكاراً محددة، بل اكتفى حلواني بالكتابة بالأبيض عبارة «سلام وحبّ» على جبين الجمجمة في تناقض مباشر بين الجمجمة ومعنى العبارة.
لدى اختياره جدران بيروت، يركّز حلواني على المكان والبيئة والأبنية المحيطة، ويحاول موالفة أعماله معها كي تبدو جزءاً من هذا النسيج. تشكّل العاصمة اللبنانية هاجساً للشاب كما تفعل مع كل الناس والفنانين المقيمين فيها، لذا كتب على مجموعة من الجداريات كلمة «بيروت» فقط، مخططاً إياها بأساليب مختلفة، وخلفيات متنوّعة (من ناحية الألوان والأشكال)، وقد بدا هذا أشبه بالدوران في حلقة مفرغة. على الرغم من جماليتها، إلا أنّ هذه اللوحات لم تحمل موقفاً واضحاً من مدينته. لكن الجزء المميز في معرض حلواني الأول كان استخدامه المفروشات كسطوح ليطبع عليها خطوطه. بالأكريليك الأبيض والأسود، استخدم الخطوط العربية لزخرفة كرسي خشبي ذي فرش أبيض وطاولة خشبية قديمة صغيرة الحجم. بدت هذه الخطوط جزءاً منها، وخصوصاً أنها تملك النفس القديم ذاته. في تصميم آخر، تخلّى أيضاً عن الحائط والكانفاس، ليموضع لوحاته على شبابيك و«أباجورات» خشبية، كاتباً عليها «بيروت» بالبخاخ والأكريليك. اختار هنا جزءاً من صورة بيروت، هي الأباجورات الخضراء والحمراء والبنية المنتشرة في العاصمة، وقد وضع بعض الدواليب إلى جانبها، ليكتمل المشهد المديني الذي عمل على خلقه داخل هذا الفضاء المغلق. في الخارج، وعلى بعد أمتار من معرضه، رسم حلواني فيروز على أحد جدران الجميزة، واضعاً إياها في إطار أيقوني معنوي. هذا الرسم الأيقوني ذاته لرموز من ذاكرتنا الثقافية والاجتماعية نراه في منطقة الكونكورد، حيث رسم أخيراً بورتريهاً ضخماً ومميزاً لعلي عبد الله، المتشّرد الذي فارق الحياة في شتاء هذا العام في شارع بليس البيروتي. أرفق حلواني هذا البورتريه بالكاليغرافيا العربية، وجملة «غداً يوم أفضل» المقتبسة من أغنية لفرقة «مشروع ليلى». طبعاً، حمل هذا الرسم معنى آخر، فهو يخلّد ذكرى أحد أشهر المتشرّدين في بيروت، في حين لم تخلّده الا ذاكرة من رآه وتعرّف إليه في الشارع، كما يضيء على قضية اجتماعية اختصرتها طريقة موت علي المأسوية. بعد أيام على هذه الجدارية، رسم حلواني وجه محمود درويش بنظارتيه الشهيرتين في المنطقة نفسها، محتفياً بذكرى ميلاد «شاعر الأرض»، وواضعاً إياه في الإطار المعنوي ذاته الذي وضع فيه علي عبد الله.
لو حاولنا إعطاء صورة مجملة عن أعماله، لقلنا إنّ حلواني يعرف كيف يظهّر كليشيهات المدينة وبعض الأفكار بصورة متقنة ومثالية، مع انطباع بصري مبني على خطوطه الدقيقة والمنضبطة التي تغلب على معظم أعماله التي ظهرت بتصميم متشابه أحياناً، مع التنويع على الأشكال. هكذا استطاعت رسومات حلواني وألوانه أن تُعرف وتتميز من بين مئات الغرافيتي المطبوعة على جدران بيروت.




العين على «غينيس»


منذ عمر الـ 14 عاماً، التحق يزن حلواني بفن الغرافيتي، متأثراً بمشهد الهيب هوب الفرنسي. بدأ يرسم الغرافيتي بأحجام كبيرة، وشارك في معارض جماعية عدة. وفي عام 2010، حصل على الجائزة الأولى في مسابقة الغرافيتي في شارع بليس التي شارك فيها عدد كبير من فناني الغرافيتي اللبنانيين، وبدعوة من السفارة البريطانية في بيروت، رسم بورتريهاً للملكة البريطانية في ذكرى ميلادها. كذلك، رسم قبل أشهر لوحة عملاقة بعنوان «الرحمة المهداة» في منطقة الزيتونة، حاول من خلالها دخول موسوعة «غينيس» كأكبر لوحة تشع ليلاً. وبالتعاون مع فنان الغرافيتي الألماني تاسو، رسم لوحة كبيرة تحمل عنوان «اللوحة الأبدية» في شارع عبد الوهاب في مونو في منطقة الأشرفية.