واهمٌ من يفكّر أنّ أميركا تعتقد أنّ لها أعداء، وواهم من يفكر أنّ أميركا تحبّ وتكره. أميركا «عندها» رهائن فقط. منذ أن قامت بتعديلات على ذهنية الكاوبوي (الشريف والباد غاي) حين قصفت هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، كانت قد انهزمت واستسلمت وخرجت من الحرب، أي أنها كانت تحت عقد الأمان الناتج عن الاستسلام. منذ ذلك الحين وأميركا تتعامل مع البشرية كرهائن، تضعهم في حساباتها/ مداجنها، متخيرة يوم الذبح، أو التضحية، معتبرة أنّه سبب الذبح أو التضحية، وهذا يكفي، ناسلة من تحت ابطها ذريعة أتت هي نفسها بأبشع منها، محتكرةً العنف في العالم كخاطف يتدلل على رهائنه.من قال إنّ أميركا تعتقد أنّ هناك من يحبّها أو يكرهها، فالرهائن لا يحبّون ولا يكرهون ولا يجوز لهم ذلك، إنّما يجبرون ويدفعون فدياتهم وهم صاغرون، والصغار قضية أساسية في ذهنية الكاوبوي المعدلة، إذ تتوقف عليها خصوصية التراتب الحقوقي للبشرية، والوهرة الكارزمية لمفاعيل الأسلحة الفتاكة ذات الاقتصاد الشرس والعابر للقارات، حيث تتشكل الأسواق على هيئة شرق أوسط جديد، بواسطة الفوضى الخلاقة التي تهدر دماء البشر بسعر الكولا المسفوحة على شاشات الجريمة الممكيجة بالأخلاق الأميركية الحميدة.
إنها صورة براندو وآل باتشينو (أجيال الكوريليوني) في فيلم «العرّاب». إنّها صورة التسويق لحقّ باطل، يجعل الألم والوجع صورةً عابرة، في فيلم يمتدح الجزار على عواطفه النبيلة، ورقة علاقته بالإبداع وأعماله الخيرية. إنه فيلم شخصية أميركا الذي نشاهده ونشهد عليه منذ يالطا، ويا له من فيلم طويل.
لا يمتلك الخاطف الا قوته العارية من كل خير أو جمال، ولا خيار له إلا بالتهديد بقتل رهائنه، ولا خيار للرهائن بعد خبرتهم بخاطفهم، إلا القاتل أو المقتول، فينحدرون جميعاً الى درك الموت، وإهانة الحياة. هذا ما حصل في أفغانستان على الأقلّ. بين الدعوة الى الجهاد المقدس، و11 سبتمبر، لا يترك الخاطف لرهائنه الخيار. كل انجاز البشرية الحضاري، يضعه في فردة حذاء عسكرية، ويشهر وجهاً ميتاً قبالة العقل والإنجاز البشري. يخرج الخاطف عن الحضارة والمدنية، لحظة الشك أنّ هناك من يخدش دلاله وفخامته، لأنّها تقود الى احتمال ــ مجرد احتمال ـــ إضعاف تسلطه. عندها لا يتقبل لا الرشى ولا يرضى عن الهرس بديلاً.
أميركا اليوم تختطف البشرية. لكن لن تستطيع أن تفعل بها ما تشاء. صحيح أنّ هناك «وهم صاغرون»، لكن وأيضاً هناك من هو يا قاتل يا مقتول. ولكن المصيبة هي في إعمار القيم التي تصيغها البشرية وتهدمها القوة الغاشمة «دفاعاً» عن مجرد مكانتها، تاركة لأجيال المخطوفين حرية التكاره والتحاقد والذبح، معطية لكل جهل كل فرصة ممكنة لإعمار الانحطاط، وترك الشعوب تلهث وراء صفر إعادة الإعمار لتعود الى بداية العيش وتعود أميركا للتحضير لضربة جديدة في خاصرة البشرية.
لا أريد ضربة لبلادي، لا أقبل بها. لا أريد أن أتخلّف ليأكلني الجهل والتحاقد. لن أرضى يوماً عن آلة ضخمة تسحقني، أو عن خاطف يرتهنني، حتى ولو استطاع الى ذلك سبيلاً. ربما يكون الفيلم الطويل القادم صينياً أو أوستراليا، ولكن ليس من رهينة لا تتوق وتعمل للتخلص من خاطفها، ولا يمكن للبشرية أن تبقى مرتهنة عند مختطفيها... الكورليونز!
* سيناريست سوري