منذ بداياته الموسيقية، تمتع زيد حمدان (1976) بجرأة في سلك طرق مختلفة، بعيدة عن الأنماط الرائجة. أثمرت تجاربه المتنوعة أعمالاً فريدة في الموسيقى المستقلة في لبنان. في أيار (مايو) الماضي، أصدر فنان الـ«اندرغراوند» اللبناني ألبوم «موجة» مع الفنانة المصرية مي وليد. اللقاء بين حمدان ووليد تمّ قبل ثلاث سنوات في الاسكندرية. كان آنذاك يقيم حفلة مع فرقة «كزا مدى»، فسمع عن المغنية الشابة. ابنة الاسكندرية التي تتمتع بموهبة التأليف، كلاماً ولحناً، لم تتعلّم الموسيقى في معاهد متخصصة، بل درست السينما والإنتاج، وتعزف على آلات موسيقية عدة. وهي عضو في فرق روك عدة في الاسكندرية. يقول حمدان لـ«الأخبار»: «أحببت كثيراً أغنياتها على الغيتار، واقترحت عليها مشروعاً جدّياً. فبدأت تشعر أنّ موسيقاها تثير الاهتمام.

وباشرنا العمل على ألبوم مشترك. كَتَبت هي الموسيقى والكلام، وأنا تولّيت التوزيع والإنتاج». في أغنياتها، تتطرق وليد الى تجاربها في المجتمع المصري والعقلية التي تعاني بسببها.
كلمات الأغنيات تتحدث كثيراً عن تجارب شخصية، ولكنها أيضاً تعطي فكرة عن المجتمع المصري ككلّ. «تمثّل مي وليد شيئاً أكبر منها من دون أن تدرك ذلك» يقول حمدان. أغنية «أنا مش من هنا» التي يضمّها الألبوم مثلاً، تعكس العقلية المنغلقة والمحافظة، و«حسافر بعيد» تتطرق الى الهجرة. يشير حمدان الى أن «كلمات مي عفوية جداً، وترافقها بالموسيقى على الغيتار. أما أنا، فأضفيت عليها أسلوباً معيناً. عملنا لحوالى شهر في كتابة الاغنيات، وكانت أفكارنا متناغمة جداً، وكل منّا كان يقوم باقتراح يروق الآخر، فنحن نملك الرؤية الفنية نفسها». عنوان الألبوم «موجة» هو أيضاً عنوان أغنيته الأولى. هذه المقطوعة المميزة تبدأ بأداء بعض النوطات على الـ«غلوكنشبيل» شبيهة بقطرات المطر المتساقطة، بما يعكس كلام الاغنية «المطر ينزل ويخلّي الحزن يدوب...». هي أشبه بتهويدة (Lullaby) يرافقها في مطلعها صوت وليد الناعم والرقيق. الآلات الموسيقية تأتي أيضاً لتعكس الكلام في مقاطع أخرى من أغنيات الألبوم كما في «الساعة بتغري»، حيث نسمع آلات القرع شبيهة بعقارب الساعة التي ترمز الى الوقت الذي يمرّ: «الساعة بتغري ونحن نعمل هنا إيه». عمد زيدان الى مزج أنماط عدة من الموسيقى في الألبوم وأحياناً في الأغنية نفسها، من روك وnew wave وحتى جاز، فتمتع الصوت بغنى وتنوّع أضفيا الألوان عليه.
التعاون مع مغنية ليس غريباً على حمدان. من ياسمين حمدان (أسّس معها فرقة Soapkills الرائدة في موسيقى الـ«أندرغراوند» اللبنانية) الى مريم صالح وهبة المنصوري والآن مي وليد. لطالما مال الى إصدار أعمال مشتركة مع فنانات مختلفات أضحين ملهماته كما يقول. «منذ كنت شاباً، كانت لدي عقدة الموسيقى العربية. ثقافتي ضاعت بسبب الحروب. وفي مشاريعي مع المغنيات، أبحث عن أسلوب عربي جديد. أنا لست مهتماً الا بالتراث في الموسيقى العربية ولم أشعر يوماً بشيء تجاه البوب العربي السائد اليوم. لذا أنجز موسيقى تشعرني بالمتعة. كل الفنانات اللواتي تعاونتُ معهن يملكن صوتاً مختلفاً، من ياسمين الى مريم وصولاً الى مي التي تذكّرني بسعاد ماسي. ما تغنيه أشبه بفولك عربي».
كل مشروع ينجزه حمدان أشبه بتجربة جديدة ومغامرة استكشاف في مجال الموسيقى. يشرح: «في كل عمل أنجزه، يهمني أن أتطور، وأخذ الموسيقى الى منحى آخر.
الفنانات اللواتي تعاونت معهن هنّ مصدر إلهام قوي بالنسبة إلي. وهذا يساعدني في تطوير فني وفي الاستمتاع به. أبحث عن أشخاص حيويين وعن فن جديد. عندما بدأت مع ياسمين حمدان، لم يكن هناك الكثير من التجارب المماثلة في البلاد، وكان أمراً جديداً. تعاملت لاحقاً مع الكثير من الفنانين في مجال الموسيقى المستقلة وبتنا أشبه بعائلة كبيرة الآن». كان يُفترض أن تصدر الأسطوانة في أيلول (سبتمبر) في مصر، لكن الأوضاع المضطربة هناك حالت دون ذلك. إلا أنّ حمدان يعدّ لجولة أوروبية في تشرين الثاني (نوفمبر) ترويجاً لهذا العمل.



معضلة الإنتاج

ما زال إنتاج الموسيقى المستقلة وتوزيعها صعبين على زيد حمدان، خصوصاً في لبنان. يقول: «مشكلة الموسيقى المستقلة في لبنان عدم تقدّم المحطات والإذاعات أي خطوة الى الامام. تكتفي المحطات بنقل البرامج من الاوروبيين، على غرار برامج المواهب. وهي مجرّد «بيزنس» خالية من أي ثقافة. نعاني كثيراً في الانتاج لأننا نحن من ندفع التكاليف ولذا استغرق ألبوم «موجة» ثلاث سنوات ليبصر النور. هناك منتج فرنسي ساعدني قليلاً. ولكن يصعب جداً توزيعه في متاجر الموسيقى اللبنانية، لأن ثمن إنتاجه باهظ وسيكلفنا ذلك أكثر من الأرباح».