إنها التسوية. ربما! بُعيد إعلان «الطبخة» الروسية لتجنّب ضربة أميركية على سوريا، بدا الذهول على معظم الفضائيات العربية المهللة ليلاً ونهاراً للعدوان. حاولت هذه المحطات استيعاب ما جرى، فيما دخلت بعض القنوات المحلية بثقلها على خط التسوية وتعاملت معها بكثير من المكابرة وقلب الحقائق لحفظ ماء وجهها، قبل أن تتطاير الروايات التي سرعان ما سُيّست وفق «الأهواء» السياسية.
أجواء «التسوية» التي أتت بعد حبس أنفاس دامت لأكثر من أسبوع، وخال المرء أنّ الحرب قد وقعت بالفعل لهول ما نشرته وسائل الإعلام من خرائط وخطط عسكرية بالأسماء والأماكن المفترض قصفها.
بمقدمة نارية، راحت mtv تظهر الرئيس الأميركي بصفة المنتصر الذي أوقع نظيره السوري بشار الأسد في «الفخ»؛ إذ كانت المهلة المعطاة له بحسب قناة المر بمثابة إنذار «أفقد الأسد السقف الروسي الحامي لنظامه. ووجد نفسه ملزماً بتسليم السلاح الاستراتيجي الوحيد الذي يملكه في مواجهة إسرائيل». وبذلك، تكون سوريا قد خضعت لـ«الحكمة الروسية»، وازداد غضب الشعب السوري على نظام «لم يستقو بالكيميائي إلا على الأطفال». «المستقبل» بدورها حذت حذو زميلتها mtv، لكن مع رفع السقف بشكل لافت عبر إظهار الأسد بصورة «المستسلم للشروط الأميركية». وسألت القناة الزرقاء: «ألم يكن أفضل أن يحفظ كل هذه الثروة التي صرفها على ذبح الناس، والسلاح الاستراتيجي كاحتياط في مواجهة إسرائيل؟»، وأضافت: «ألم يكن أفضل أن يرضخ بشار الأسد لإرادة شعبه ويتنحى بدل الرضوخ لإرادة الولايات المتحدة وروسيا؟».
صورة معاكسة أظهرتها قناة «المنار» التي بدا فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما في مأزق، وقد تساعده التسوية المفترضة على الخروج منه وتعيد إليه هيبته بعدما «اصطدم باعتراض واسع في الكونغرس ورفض شعبي»، مع مدح لافت للموقف الروسي «عرّاب الحل والممسك بخيوط عالمية». ولم تنسَ قناة المقاومة التذكير بـ«خيبة بعض العرب المتحمسين التي تشبه حالتهم حال المعارضة السورية المسلحة. خرجوا خائبين فلا حققوا رغبتهم بإسقاط النظام ولا بالتوازن الميداني».
فضائياً، لم تكن الحال أفضل في تلقف ما جرى خلال ساعات قليلة، ولم يكن الأمر سهل الهضم. لذا، حرصت المحطات الفضائية في تغطياتها الإخبارية على إعطاء الحدث صبغة «الحذر». قناة «العربية» على سبيل المثال، شككت في نية النظام السوري في الاستجابة للمبادرة الروسية ووضعتها في خانة «مناورة دبرت بين النظامين الروسي والسوري لتفادي الضربة الأميركية». على خطى القناة السعودية، مشت «الجزيرة» التي رأت أن الهدف من المبادرة هو «كسب المزيد من الوقت لتفادي الضربة». أما «الميادين» التي تجنّدت طوال الأسبوع المنصرم لتخصيص ندوات تواكب التهديد الأميركي واحتمال شنّ العدوان على سوريا، فكان نجمها مدير أخبارها سامي كليب الذي ما فتئ يقدّم تحليلاته ومقالاته عن احتمال العدوان وحظوظ التسوية، وليس آخرها مقال بعنوان : «خسارة أوباما... بالضربة الروسية الكيمائية». ومن الطبيعي أن تكون قناة «روسيا اليوم» التي حملت بلادها هذه المبادرة حاضرة بقوة عبر تغطياتها المستمرة للوضع السوري. «تغزّلت» القناة بالموقف الروسي الذي «جنّب واشنطن خوض صراع خطير» برأيها، فضلاً عن الإضاءة على ظروف نضج التسوية التي خرجت، بحسب الكرملين، من قمة الـ 20 التي انعقدت منذ أيام في سان بطرسبرغ الروسية، حيث كان الاتفاق على وضع الكيميائي السوري تحت الرقابة الدولية.