القاهرة - لم تجد أغنية «إحنا شعب وانتو شعب» من يدافع عنها في وجه «حملة الديسلايك» التي خاضها منتقدوها على يوتيوب. أغنية علي الحجار التي كتبها مدحت العدل في مواجهة «شعب» الإسلام السياسي، واجهت هجوماً شديداً ومتوقعاً من الإسلاميين، وتبرؤاً من خصومهم الذين رأوا في الأغنية دفعاً للاستقطاب السياسي إلى مرحلة النزاع الأهلي.
لكن القصيدة التي كتبها العدل قبل أشهر، وغناها الحجار بعد أيام من عزل مرسي، لم تكن أولى القصائد/ الأغنيات المصرية التي تفرّق بين شعب وشعب.
في قصيدته «الأحزان العادية»، يقرّر عبد الرحمن الأبنودي بوضوح «احنا شعبين، شعبين، شعبين/ شوف الأول فين والتاني فين؟/ وآدى الخط ما بين الاتنين بيفوت/ أنتم بعتوا الأرض بفاسها... بناسها (..) واحنا ولاد الكلب الشعب/ احنا بتوع الأجمل وطريقه الصعب/ والضرب ببوز الجزمه وبسن الكعب/ والموت في الحرب». لم يكن الأبنودي وحيداً في الحديث عن أكثر من شعب في الوطن الواحد. عبّر أحمد فؤاد نجم كثيراً عن هذا المعنى، ربما أشهره في قصيدته «ورقة من ملف قضية»، حين يحقق ضابط «مباحث دولة مصر» مع المتهم فيسأله الأخير «مصر العشة وللا القصر؟». ويطرح نجم السؤال بصيغة أكثر وضوحاً في قصيدة «هما مين؟»، التي تدور أبياتها حول الفكرة ذاتها «هما مين/ واحنا مين؟/ هما الأمرا والسلاطين/ هما الفيلا والعربية/ والنساوين المتنقية». يضع الفاجومي الـ«همّا» في مواجهة الـ«احنا»: «احنا الفعلا البنايين/ احنا السنة واحنا الفرض/ احنا الناس بالطول والعرض/ من عافيتنا تقوم الأرض وعرقنا يخضّر بساتين/ شوف مين فينا بيخدم مين؟». ليس مدحت العدل إذن أول من يقسّم «الشعب» في قصائده، لكن قصائد الأبنودي وأحمد فؤاد نجم، قسّمت الشعب سياسياً وطبقياً في آن، أو كان السياسي والطبقي وجهين للقسمة ذاتها: سلطة «وحلفاؤها من الأغنياء»، ومعارضة «تعبّر عن الفقراء/ الفُعلا البنايين» الذين يذوقون وحدهم «الموت في الحرب».
لكن على خلاف تلك القصائد التي قسمت المجتمع أفقياًَ: أعلى وأسفل، فوق وتحت، غنى وفقر، سلطة وشعب، جاءت قصيدة العدل «احنا شعب وانتو شعب» لتقسم الشعب طولياً. قسمة لا يمكن قياسها بالموقع من السلطة والمعارضة، أو الغنى والفقر، وإنما هي قسمة أفكار. وهي هنا ليست أفكاراً سياسية فحسب، وإنما ــ لطبيعة الخصم ــ تمزج السياسي بالديني، وتقع في المشكلة ذاتها التي تنتقد عبرها خصومها، فتبدو كما لو كانت تتبنى الدين الصحيح/ الحضاري (احنا شايفين إن ديننا دعوة للنور والحضارة) في مواجهة الدين الزائف/ القشري (وانتو حاصرينه في حكاية توب قصيّر أو ستارة). والدين الذي تتبناه هو دين «ابن سينا وابن رشد والحسين» في مواجهة دين «ابن لادن والكهوف المظلمين»، ولا يفوت الكلمات أن تؤكد أنها تتبنى البديهي: «دي العقيدة في أي دين». لا تتوقف مشكلات الأغنية عند كون «أفكارها» لا تصمد لأي نقاش جدي، في ما لو تساءلنا مثلاً عما يجمع بين ابن سينا والحسين؟ لكن المشكلات تمتد لاختيار لغة الخصومة السياسية، فضلاً عن الفنية (لِمّ غنمك أو جمالك والعشيرة والخيام) وصولاً إلى مطلب ـــ أو أمر ــ غير معقول هو «وابعد بعيد عن ارضنا/ لإنكم ولإننا/ احنا شعب وانتوا شعب». لو أمكن تفهّم التقاط الأغنية لحالة الاستقطاب المجتمعي، حتى وإن كانت تكرّسها، فمن الصعب فهم «إبعد بعيد عن أرضنا». لقد عبّر الأبنودي ونجم في قصائدهما عن مرارتهما تجاه «الشعب الآخر»، كل حسب قصيدته و«شعبه». لكنّ أياً منهما لم يطالبه بالرحيل. أما مدحت العدل، فلم يجد ــ عبر حنجرة الحجار ــ سوى ذلك الطلب المستحيل الذي تبرره الأغنية: «عمرنا ما هانبقى زيك ولا انت هاتكون زينا»، فلا بد من الرحيل إذن، لكن السؤال البديهي هو «الرحيل إلى أين؟».