من وحي لعبة الشطرنج ولونيها المتناقضين الأبيض والأسود، ابتكرت otv مقاربة جديدة للبرامج الحوارية ضمن برمجتها الخريفية من خلال «راس ب راس» (إعداد هشام حداد وإخراج باتريك نعيمة). مقاربة قائمة على تغييب المذيع الذي يضبط أي حلقة «توك شو» قد تعرض تلفزيونياً. عنصر المهندس اختبأ في الكواليس وترك الطرفين المتخاصمين سياسياً وايديولوجياً يتحاوران بعيدين عن بعضهما كمسافة جغرافية.
فكرة هي أشبه بالمناظرات التي تقيمها الدول المتحضرة بين شخصين يتنافسان على المقعد الرئاسي ويريدان إقناع الجمهور بصوابية توجهاتهما من خلال النقاش.
حلقة أول من أمس (ساعة واحدة) التي كان نجماها الصحافيان سالم زهران وشارل جبور بدت هادئة وادعة على خلاف التجارب السابقة في البرامج الحوارية التي اختبر زهران في أحدها تجربة الاشتباك بالأيدي وتبادل الشتائم مع زميله أسعد بشارة («حديث الساعة» على قناة «المنار»). تجربة مختلفة قدمتها القناة البرتقالية أول من أمس من خلال تناوب التقديم بين الضيفين في فقرتي البرنامج مع إفساح المجال للتعليق المنفرد لكليهما على حدة في نهاية كل فقرة. لم تختلف النقاشات كثيراً في المضمون عن الطروحات التي قد نسمعها في نشرات الأخبار أو البرامج السياسية بدءاً من الحديث عن الضربة الأميركية المتوقعة على سوريا مروراً بمشاركة الأطراف المختلفة اللبنانية في الأتون السوري وانتهاءً بفتح ملفات الحرب والصراع مع إسرائيل. وهنا كانت مكاشفة لافتة من قبل جبور حين اعتبر أنّ اللبنانيين هم من يقومون بـ «الحركشة بإسرائيل» كما حصل عام 1969 مع «اتفاق القاهرة»، وفي 2006 «عندما أسر «حزب الله» الجنديين الإسرائيليين» معلناً صراحة عداءه لسوريا مع دعوته السعودية الى تهديد إيران «ليس فقط كلامياً» بل عسكرياً أيضاً إرساءً «لتوازن الرعب». مواقف جبور النارية قدّمها على طبق بارد، إذ لم يظهر أي انفعال يشي بحالة غضب، وقد ختمها بالكلام عن «حزب الله» الذي حمّله المسؤولية الكاملة عن التفجيرات التي حصلت أخيراً ومسؤولية أي عدوان قد يشنّه الصهاينة على لبنان.
إذاً، كنّا أمام مضمون ناري أتى في قالب هادئ وراقٍ الى حد تبادل التحيات والمديح والاحترام اللافت بين الطرفين، لكنّ المشهد بدا أحياناً مصطنعاً خالياً من أي تفاعل أو إشارة تشي بانفعال إنساني طبيعي إزاء أي موقف من المواقف الحادة، بالإضافة الى أنّ الحلقة كانت مسجّلة، مما قد يضعف قيمتها ويطرح علامات استفهام عديدة تتعلّق بالأسئلة المعدّة سلفاً (ربما الإجابات أيضاً) وبالمايسترو الضابط خلف الكاميرا والاتفاق الذي تم بين الطرفين لتبدو الحلقة أقرب الى مشهد مسرحي منه الى حلقة حوار جدية متفاعلة. مع ذلك، تميّزت الحلقة الأولى بكسرها التقليد وترك الطرفين يتناقشان وجهاً لوجه في غياب المذيع، فقال زهران: «أحياناً المذيع هو من يحرّض الأطراف على بعضها البعض» متمنياً أن يكون هذا البرنامج «فاتحة خير» يسهم في «تخفيف الرواتب في المؤسسات الإعلامية».
مقاربة مبتكرة قدمتها otv في باكورة برمجتها لهذا العام، وجدت أنّ المشكلة تكمن في مدير الحوار فعملت على تغييبه. لكن ذلك لا يمنع ضرورة إضفاء صبغة من الحيوية والواقعية على هذه البرامج احتراماً للرأي العام وإنصافاً للمحطة وصدقيتها. ومع ذلك، يسجّل للمحطة خطوتها الجريئة في تكريس حوار سياسي أو فني بعيد عما شهدته الساحة اللبنانية من قبل.

«راس ب راس» كل خميس 21:15 على otv ــ ضيفا الحلقة المقبلان ميشال الفتريادس والداعية عمر بكري فستق