لندن | بعد عرضه السينمائي الخاص في سينما «كلية بيربيك للفنون» في «جامعة لندن»، تزامناً مع الذكرى السنوية الخامسة لاغتيال المثقف والكاتب العراقي كامل شياع (1954 ـــ 2008)، وقع اختيار «مهرجان نيويورك السينمائي» (27/9 ـــ 13/10) على شريط «23 آب 2008» (22 د)، فأدرجه ضمن فقرة مسابقة «صور متحركة» لدورته الحادية والخمسين.
وسيكون يوم 28 أيلول (سبتمبر) موعداً لإطلاق عروض الفيلم العالمية على مسرح «سينما هاورد غيلمان» النيويوركية، الى جانب مجموعة من النتاجات السينمائية الآتية من أميركا، وألمانيا، وفرنسا، والبرتغال، والمكسيك وإيران. شريط «23 آب 2008» التسجيلي من توقيع أستاذة الدراسات السينمائية ووسائل الإعلام البريطانية لورا ميلفي، والفنان الكندي البريطاني مارك لويس، وبالتعاون مع فيصل عبد الله، شقيق كامل شياع الذي يعدّ الشخصية المركزية في العمل.
على شكل مونولوج طويل من 18 دقيقة من دون قطع، يسترجع عبد الله في الشريط علاقته بشقيقه كامل حين اضطرا ــ حالهما حال الكثير من المثقفين اليساريين ــ الى ترك بلدهما العراق أواخر سبعينيات القرن الماضي بفعل سياسات التبعيث سيئة الصيت. تتوقّف القصة عند أهم المحطات التي مرّ بها كامل شياع، وتنقلاته بين أكثر من بلد، الى أن استقر في بلجيكا، ودرس الفلسفة في «جامعة لوفان الكاثوليكية»، ونال شهادة الماجستير بدرجة الامتياز. وكما يسرد الشريط، فانّ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها عام 2003، وسقوط نظام صدام حسين في التاسع من نيسان (أبريل)، شكّلا نقطة تحول دراماتيكية للكثير من المنفيين العراقيين. ونتيجة لذلك، فانّ المصطلح التقليدي لمفهوم «المنفى/ المنفي» قُلب رأساً على عقب بفعل الممكنات الجديدة التي أتاحها ذلك الغزو للمنفي العراقي وانتفاء أسباب المنفى المعلنة. مثلما أزال الغزو نظاماً ديكتاتورياً من المشهد السياسي إلى الأبد، فإنّه أطاح أيضاً بأسباب موضوعية وجيهة كان يتقاسمها المنفّيون العراقيون بعيداً عن وطنهم الأول. إزاء ذلك الحدث الدرامي الكبير، أُسقطت من يد المنفي العراقي أسباب وحجج كانت أقرب الى تعويذة يومية يُمنّي «المنفي السياسي» بها النفس على أمل العودة يوماً الى بلده. نهاية فصول قصة قاسية، وبداية لفصول قصة أخرى أكثر قساوةً كما يورد الشريط. في تتبعه لمسارات كامل شياع الحياتية، اعتمد العمل المونولوج من دون سيناريو معد سلفاً، بل كان أقرب الى السرد العفوي، على خيط قصة تتصاعد أحداثها وتتداخل بما هو شخصي وحميمي جمع الأخوين في رحلة الشتات الواسعة لغاية اتخاذ كامل شياع قرار العودة النهائية الى العراق في أواخر عام 2003، وتسلّمه منصب المستشار المميزّ في وزارة الثقافة العراقية.
ومثلما يسرد الشريط، فانّ المخاطر المحدقة بوجود كامل شياع في بغداد وسط المخاوف ودوامة القتل العشوائي وفوضى الخراب العميم، شكّلت أرقاً يومياً لعائلته، خصوصاً شقيقه الراوي. في المقابل، يتوقف الشريط عند «مؤهلات» مَن تولّى هذه الوزارة مثل إمام جامع، وهارب ومتهم بجريمة قتل، ورجل شرطة أمي، طرد من سلك الشرطة بتهمة التلاعب في عهد النظام السابق وغيرهم ممن جاءت بهم المحاصصات الطائفية بتلاوينها المذهبية والبعيدين كل البعد عن مفهوم الثقافة.
يُختتم الشريط بجريمة اغتيال كامل شياع التراجيدية بعد عودته من «شارع المتنبي» الشهير في بغداد في 23 آب (أغسطس) 2008، ومنها استعار الفيلم ذو الإنتاج المستقلّ عنوانه. نُفذ الشريط بطريقة جمعت التوثيق الدرامي لقصة ظاهرها معلن، وأخرى صاغها الفنان مارك لويس من خلال تثبيت الكاميرا واقتناص تفاصيل جوانية للراوي عبر لقطة واحدة من دون قطع أو مونتاج. الكاميرا هنا (إدارة مدير التصوير مارتن تيستار) أُسندت لها مهمة تسجيل تفاصيل قصة غطت عقدين ونيف من الزمن، فيما افتُتح الشريط بلقطة طويلة عامة لروّاد «شارع المتنبي» من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية ذات يوم عطلة نهاية الأسبوع. ومثلما سجّل «23 آب 2008» حضوره السينمائي العالمي الأول في الولايات المتحدة الأميركية، فإنّ «مهرجان برلين السينمائي الدولي» سيكون محطة انطلاقته الأوروبية بعد اختياره ضمن فقرة الأفلام الوثائقية التي ستُعرض في دورته الرابعة والستين التي تنطلق في 6 شباط (فبراير) المقبل.



بحثاً عن حركة ثقافية جديدة

في وضح نهار 23 آب (أغسطس) 2008، تمكّن رصاص مجهولين من قتل كامل شياع (1954 ـــ 2008) وسط العاصمة العراقية. منذ العام 2003، إثر عودته من منفاه البلجيكي الطويل، شغل شياع منصب مستشار في وزارة الثقافة العراقية، مكرّساً طاقاته العلمية الغنية للنهوض بثقافة بلاده. ويعتبر شياع من أبرز المطالبين ببناء حركة ثقافية جديدة في العراق وفق رؤى علمانية، إلى جانب عمله البحثي، والكتابي والنقد الأدبي، والترجمة. علماً أنّه كان عضواً في المكتب السياسي لـ«الحزب الشيوعي العراقي»، وأحد كتّاب ومحرري مجلة «الثقافة الجديدة» التي تصدر عن الحزب الشيوعي العراقي.