يقدم حسين كنعان في «من جورج واشنطن إلى أوباما: الولايات المتحدة الأميركية والنظام الدولي» (دار النهار) مادة بانورامية تحيط بالتجربة الأميركية، النشأة والدستور والتطور والحكم، وموقع واشنطن والرؤساء من السياسات الدولية، التي رست على تشكيل النظام العالمي الجديد إثر سقوط الثنائية القطبية. يضعنا صاحب «موسى الصدر قدر ودور» أمام الدستور الأميركي ومسارات التاريخية، تطوراً وتعديلاً. يرى أنّ دستور الأمة الأميركية الذي وصفه بعض رؤساء الولايات المتحدة بـ«الكتاب» لمكانته وقدسيته، استطاع توفير الحماية القانونية اللازمة لأمة فتية متعددة الإثنيات.
استدعى تنامي دور أميركا بعد الحرب العالمية الثانية واضطلاعها الواسع في لعبة الأمم إرساء مؤسسات تساعد الرئيس على اتخاذ القرارات الداخلية والخارجية. أُنشئت مؤسسة الأمن القومي الذي يركز على إعطاء التوصيات الصحيحة والضرورية للرئيس. واتسع دور مستشار الأمن القومي، وخصوصاً في السياسة الخارجية على حساب وزير الخارجية. هنا يبرز الكاتب الصراع الذي ظهر بين الطرفين، ولا سيما في حقبة ريتشارد نيكسون (1913 _ 1994). يومها، أدى المستشار هنري كيسينجر دوراً مؤثراً في الرئيس على حساب وليام روجرز، وهذا ما فعلته أيضاً كوندوليزا رايس زمن جورج بوش الابن حين أطاحت كولن باول لتحقيق طموحاتها الشخصية، فتحالفت مع المحافظين الجدد على رأسهم نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد في وجه باول الذي لم يهلل لأفكار المحافظين المتطرفة، ولم يقبل سياساتهم بشأن غزو العراق (2003) ولا كذبة أسلحة الدمار الشامل. يحاول صاحب «مستقبل العلاقة العربية _ الأميركية» تقديم قراءة تحليلية لتركيبة شخصية باراك أوباما (1961)، واصفاً دخوله البيت الأبيض بدخول كريستوف كولمبوس الشاطئ الأميركي. يخلص إلى أن الرئيس 44 يحمل فكراً ليبرالياً مناهضاً لما هو عنصري؛ لكونه «أخذ قسطه الوافر من عدم المساواة والتمييز العنصري»، ما دفعه إلى الاقتداء باثنين من الرؤساء الأميركيين، هما أبرهام لنكولن (1809- 1865) الذي حرر الزنوج من العبودية وفرانكلين روزفلت (1882- 1945) الذي أخرج البلاد من الكساد الاقتصادي الكبير (1929). يتناول الكاتب فلسفة النظام الرأسمالي الذي تبنته الولايات المتحدة منذ تأسيسها. ويعرض أهم التقارير الاقتصادية، وتحديداً تلك الصادرة عن «صندوق النقد الدولي» ليقول إنه رغم الإيجابيات التي كرسها، لكنه ترك تداعيات سلبية على مستوى التضخم والآفات الاجتماعية وعدم المساواة في الدخل الأسوأ بين جميع الدول الصناعية. شوائب هذا النظام دفعت الليبراليين، وعلى رأسهم أوباما وبعض الأكاديميين والجامعيين، إلى ضرورة إبقاء مبادئ السياسة الاقتصادية ضمن إطار العدالة الاجتماعية وفقاً لنموذج «البلدان الحميمية» (هذا التصنيف اقترحه دارون أسيموغلو من «معهد ماساتشوستس» وجيمس روبنسون من «جامعة هارفرد»، وتقابله الرأسماليات المتوحشة) السائد في الدول الإسكندينافية، حيث تقوم الحكومات القوية بإدارة الرعاية الاجتماعية. يتطرق صاحب «اللعبة الدولية» إلى أهم المدارس الاستراتيجية الأميركية التي قُسِّمت إلى أربع وفق السياسة التي اتبعها الرؤساء الأميركيون: وودرو ويلسون، وتوماس جفرسون، وأندرو جاكسون، وجيمس ماديسون، فضلاً عن ألكسندر هاملتون وزير المالية في عهد جورج واشنطن. آمن الأخير بدولة قومية قوية تستند إلى الجيش وتجعل سياستها الخارجية واقعية لتحقيق المصالح القومية.
يضيء الكاتب على رؤية أوباما حول الإسلام. لم يكن موقفه من أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2011 حاداً واتهامياً، وجد الإسلام بريئاً من الإرهاب، منادياً ببدايات جديدة بين أميركا والمسلمين بناءً على المصلحة المشتركة ودعم حقوق الإنسان. وتحت عنوان «أوباما رئيس النظام الدولي الجديد»، يؤرخ كنعان بإيجاز شديد لأهم المحطات التي رسمت السياسات الدولية منذ الحرب العالمية الأولى حتى تفكك الاتحاد السوفياتي وتكريس الأحادية القطبية. يؤكد أنّ نظام القطب الواحد أفرز مشكلات خطرة على الصعيد الدولي. رغم تطرقه إلى «نظرية التفاهم السلوكي بين الجبارين» قاصداً بذلك أميركا وروسيا، غير أنه لم يفصل بالشكل المطلوب المحاولات الحثيثة التي تنهض بها موسكو وبكين لكسر الاحتكار الأميركي. وأخيراً ينتقد كنعان السياسات الأميركية تجاه قضايا الشرق الأوسط، وخصوصاً القضية الفلسطينية، ويعرض لنظرة أوباما «المؤمن بحل الدولتين».