لا يُمكن لهوليوود أن تنهار. تصوّر مماثل بعيد عن المنطق وعما يفرضه فهمنا لهياكل الإنتاج السينمائي. في استديوهات هوليوود، يُكتب التاريخ من جديد، تُبثّ الروح في الديناصورات ويُعاد إحياء الموتى وتطير الفيلة وتتكلّم الأسماك. لكن أحد عمالقة هذا العالم وأحد مؤسّسيه يعتقد العكس هذه الأيام. إنّه ستيفن سبيلبرغ الذي حذّر من «الذوبان الكبير» في النموذج المعتمد حالياً والقائم على إنتاج الأفلام الضخمة بميزانيات تبلغ عشرات أو حتى مئات ملايين الدولارات.
وفقاً لصاحب «جوراسيك بارك» الذي اعتمد بدوره على موازنات عملاقة لإنتاج العديد من أعماله مثل سلسلة «إنديانا جونز»، تمثّل المسار الانحداري في فشل بعض الأعمال الضخمة في تحقيق الإيرادات المطلوبة في شباك التذاكر. ليس سبيلبرغ الوحيد في نظريته التي تحدث عنها قبل أشهر خلال لقاء في «جامعة جنوب كاليفورنيا» USC. مخرج آخر من العيار الثقيل هو جورج لوكاس الذي باع أخيراً شركته الإنتاجية بمبلغ يفوق أربعة مليارات دولار لشركة «ديزني» حذّر بالطريقة نفسها من التدهور. توافق السينمائيان اللذان ــ للمفارقة ــ كانا أبرز مؤسسي نموذج الإنتاجات الضخمة، على أنّ هوليوود أضحت تغرّب الإنتاجات القيّمة (الأفلام الدرامية والتاريخية أساساً) لصالح المضي قدماً في تدمير المدن أو الأرض برمتها (!). مثلاً، أشار سبيلبرغ إلى أنّ فيلمه «لينكولن» (2012) بالكاد تمّ تمويله ووصل إلى العرض في الصالات. برأيه «تفضّل الاستديوهات استثمار 250 مليون دولار في فيلم حركة واحد عوضاً عن إنتاج مجموعة من الأعمال تحمل قيمة فعلية ولمسة شخصية وفنية».
لا ينقص هذين الصوتين إلا رولان إيميريش الذي قدّم لنا الدمار الشامل وفقاً لروزنامة حضارة المايا في «2012» الذي لا تلفت فيه سوى شخصية أنجيلا ميركل، ومشهد الزعماء المضحك على شاشات تواصل مباشر لإنقاذ البشرية!. لكن لنكن جديّين، لا مفرّ من الإنتاجات الضخمة، خصوصاً أنها معشوقة في الأسواق الهائلة التي تعيش مرحلة الحج صوب الذروة مثل الصين، وحيث لتقنية الأبعاد الثلاثة مكانة خاصة لا يُمكن حفظها إلا عبر «الأكشن».
لكن رغم كل الأصفار والملايين، هناك شيء ما يحصل في صناعة الأفلام الأميركية وإلا لما تصاعدت تلك التحذيرات مثل تحالف سبيلبرغ/ لوكاس. وعندما يكون هناك خطب ما في هوليوود، يجب التنبه إليه، فهذا القطاع مسؤول عن 1.9 مليون وظيفة وفقاً لـ «جمعية صناعة الأفلام السينمائية والتلفزيونية» الأميركية، ويولّد أجوراً ورواتب إجمالية بلغت 104 مليارات دولار عام 2011.
رغم أنّ هوليوود شهدت في الصيف الماضي إيرادات بقيمة 4.7 مليارات دولار من سوق أميركا الشمالية وحدها، بنمو يفوق 10%، هناك تساؤلات حول الاستمرار بهذه الوتيرة. صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت أخيراً تحليلاً مطوّراً عن هذا النموذج الذي يعتمد على طرح الإنتاجات الكبرى صيفاً لتحصيل الأرباح. منذ منتصف السبعينيات، اعتُمد هذا النموذج حين حقّق فيلم Jaws (1975) إقبالاً لافتاً وإيرادات عالمية بقيمة 471 مليون دولار رغم أنّ كلفته لم تتجاوز سبعة ملايين دولار.
هل فعلاً لم يعد النموذج مستداماً؟ تتنوع التحليلات بين تهويلي وواقعي. علمياً، يتحدّث الاقتصادي من «جامعة ستانفورد» ليران إيناف أنّ المنتجين في هوليوود لديهم ثقة مفرطة بأنّ الأعمال الضخمة التي يطرحونها صيفاً وفقاً للعقلية التي يعملون بموجبها منذ 35 عاماً، ستحقّق النجاح مهما كان مستوى المنافسة. وفيما يبدو الفاعلون الأساسيون في هوليوود ديناصورات بعقلية متحجرة في الكثير من الأحيان بأفلام الدمار والخيال وحتّى الكوميديا المبتذلة التي يصدموننا بها كلّ عام من دون توقّف، يشهد قطاع إنتاج الأفلام إبداعاً في مطارح أخرى: الشبكات التلفزيونية التي تعزّز مكانتها عبر أعمال ذات قيمة فنية وترفيهية عالية مثل دراما «التحوّل إلى الجريمة» (Breaking Bad) وسلسلة الدراما السياسية «بيت من ورق» (House of Cards). إضافة إلى ذلك، تبدو هوليوود مهددة أيضاً من الشمال. منذ فترة، هناك إشارات عن هجرة الأعمال أو نوايا لذلك من الولايات المتّحدة إلى كندا. مثلاً، عمدت شركة DHX Media للإنتاج السينمائي إلى نقل نشاطاتها التي كانت تمارسها في هوليوود إلى فانكوفر. تزامن تنفيذ هذه النقلة مع تصاعد أصوات من القطاع تحثّ السلطات الكنديّة على العودة إلى تحفيز إنتاج الأفلام. وأخيراً، ناشد الممثّل مارك وولبرغ أوتاوا لإعادة الحوافز الضريبية التي كانت ممنوحة لصنّاع السينما، قائلاً «لقد شاركت في إنتاج أربعة أفلام في تورونتو (تصويرياً) وثلاثة في فانكوفر؛ إنها أفضل تجربة تصويرية سينمائية، حيث تجد أفضل الكفاءات». خلال السنوات الأخيرة، صوّرت بعض أبرز قصص النجاح الهوليوودية في كندا مثل سلسلة Twilight، وسلسلة الخيال العلمي X-Men. تُفيد تجربة الخمسين عاماً الماضية هوليوود لالتقاط المخارج. وفقاً لتقرير شركة الاستشارات الشهيرة PWC، ستبلغ إيرادات صناعة الأفلام (السينمائية والتلفزيونية) 90.3 مليار دولار في عام 2013، ثلثها من شباك التذاكر وحده. ويُتوقع أن يتخطى هذا الرقم عتبة 100 مليار دولار عام 2016. لكن في حال لم تتمكن الغابة المقدسة من إعادة إنتاج آلياتها في ظلّ استمرار العقلية القائمة على الثقة المفرطة والمنافسة المتزايدة من الإنتاجات التلفزيونية، قد نشهد تحوّلاً أكبر صوب الشمال ربّما في حال تحققت الظروف الملائمة. على الحذقين في هوليوود الاستذكار دوماً أنّ الشركة الكندية الجارة «بلاكبيري» كانت على القمّة مرّة، وها هي تنهار اليوم لصالح مبدعين آخرين لشدّة الثقة المفرطة بالذات.




البورنو يعاني أيضاً

فيما تعيش هوليوود تغييراتها المفترضة والمتحققة، هناك تعديلات طرأت على إنتاج سينمائي من نوع آخر! في لوس أنجيلس، حيث يتركز أكثر من 90% من إنتاج أفلام البورنو، هناك بوادر هجرة إلى مدن أخرى وربما إلى مناطق أخرى. في ظلّ الضغوط المتزايدة على الشركات المنتجة لهذا النوع من الأفلام لاستخدام وسائل الحماية الجنسية ـــ تحديداً الواقي الذكري ـــ بعد ازدياد المخاوف من تفشي مرض نقص المناعة المكتسبة (HIV) أخيراً، تفضل تلك الشركات، وعلى رأسها عمالقة مثل San Diego Boy للإنتاج، الهروب من ولاية البورنو للتملّص من الدعاوى القضائية التي ترفعها المنظمات المدنيّة والهروب من معايير تُفرض عليها وتُعدّ متناقضة مع أساسات هذه «المصلحة». صحيح أنّ إيرادات هذا القطاع تراجعت بنسبة تقارب 70% منذ العام 2005 بسبب ازدياد القرصنة وتوافر الإنتاج على الإنترنت، إلا أنها تبقى تتخطى الخمسة مليارات دولار.