منذ أقل من شهر، نشرت «منظمة العفو الدولية» على موقعها الالكتروني تحقيقاً حول الزواج المبكر الذي تُجبر عليه اللاجئات السوريات في الأردن. وقبل ذلك أيضاً، انتشرت في الصحافة المصرية تقارير عن «شراء» اللاجئات السوريات الصغيرات بأبخس الأثمان بدعوى «زواج السترة»... تقارير من هنا وهناك، لكنّ الريبورتاج الذي انتشر قبل أيام على يوتيوب كان ذا وقع مختلف: فجأة، استيقظت ألمانيا، وانتبهت وسائل إعلامها إلى أنّ هناك في الخليج مَن ينفّس كبته الجنسي في أجساد طرية هربت من الجحيم المشتعلة في بلادها.
قبل أيام، سافرت كاميرا قناة RTL الألمانية لتكتشف عن قرب دقة هذه التفاصيل، وتعود بتقرير ميداني موسّع عن لاجئات سوريات صغيرات في أحد مخيمّات النزوح في الأردن، يروين أمام الشاشة الصغيرة معاناة تقشعر لها الأبدان، ويشرحن كيف يقطف الرجال في الخليج، وتحديداً السعودية، زهرة طفولتهن، مقابل حفنة من الريالات.
التقطت شبكات الناشطين السوريين التقرير وأخضعته لعملية منتجة واختزال مكثف، إضافة إلى إعداد ترجمة عربية قبل إعادة نشر النسخة المترجمة على اليوتيوب ليحصد حوالى عشرين ألف مشاهدة خلال ثلاثة أيام. يبدأ التقرير برواية القصص من بوابة «أم ماجد»، وهي الوسيطة التي تسوق قطيع الفتيات المنقّبات إلى السعوديين، بغية حصول أحدهم على صيده الثمين. تسأل «أم ماجد» فوج الفتيات المتأهب للرحلة الوعرة إن كان هناك طفلة ترغب في الزواج برجل سعودي يبلغ 70 عاماً يعزم على الزواج من فتاة لا تزيد عن 13 عاماً كحد أقصى. ترمي ليلى بنفسها إلى المهمة. كيف لا وقد نزحت مع إخوتها الخمسة وأمها من سوريا نحو المخيم. بصوتها الطفولي البريء، تدلي ليلى بشهادتها للتقرير، فتقول: «لست خائفة، لكنني قلقة لكونها المرة الأولى التي أجرّب فيها التضحية بنفسي من أجل إخوتي وأمي». في مكان آخر، تجول عدسة الكاميرا على سعوديين يتجمعون في مكان أشبه بمقهى، مشيرة إلى أنّ مبلغ 2000 يورو هو كلفة الحصول على فتاة يتمكن من شرائها وفعل ما يشاء بها. على ضفة مقابلة، تذكّرنا مذيعة التقرير بأنّ منظمات حقوق الإنسان لا تصمت عن ذلك، بل تحاول جاهدة وقف هذه التجارة، لكنها تعجز عن ذلك لأنّ «الإسلام يبيح هذا الزواج بمجرد الحصول على موافقة ولي أمر الفتاة رغم أنه استثناء متطرف في الدين الحنيف». على أي حال، ينتقل الريبورتاج إلى رواية فتاة جديدة اسمها غزل، يغلب على صوتها البكاء وهي تحكي كيف اغتصبت وضربت من «زوجها السعودي» السكير لمدة شهرين، ثم أعادها إلى الوسيطة. هنا يبدو كأنّ معدّي التقرير قد خرجوا عن طورهم فقرروا تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية من دون تجميل «اشترى السعودي الفتاة وحالما فرغ منها، أعادها إلى القوادة».
بسرعة سلحفاة، يكتشف الإعلام الغربي عمق المعاناة السورية، ومأساة فتيات لا يتعدين الـ 14 ربيعاً هربن من جحيم الموت في بلدهن، فوجدن أنفسهن في سوق نخاسة كبير يمتد على رقعة العالم العربي.