كان 19 أيلول (سبتمبر) اليوم الأخير لرستم محمود في الصفحة الثقافية لصحيفة «المدن» الإلكترونية. بعد أيام، تبلّغ الصحافي السوري قرار توقيفه عن الكتابة عبر الإيميل. أما السبب فهو «الإساءة التي وجهّتها عبر صفحتك على الفايسبوك إلى الجريدة والعاملين فيها»، وفق ما جاء في نصّ أرسله إليه أحد إداريّي الموقع. هذه «الإساءة» تمثّلت في تعليق نشره الصحافي المذكور على فايسبوك، منتقداً مواطنيه حازم نهار وفواز حداد.
وكان كلّ منهما قد وقّع مراجعة لكتاب عزمي بشارة «سوريا: درب الآلام نحو الحرية ـــ محاولة من التاريخ الراهن»، على موقع «المدن». طرح محمود يومذاك اشكاليّة مهنيّة: «كاتبان سوريان يكتبان عن كتاب عزمي بشارة (...) في موقع مموّل من بشارة. هذا لا يسعدني حقاً. نحن أيتام هذه الأرض. أناس بلا بلاد».
تعاون محمود رستم سابقاً مع «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» (مديره العام عزمي بشارة)، كباحث «مستقلّ»، إلى أن نشب خلاف بين الباحث والمركز على تسمية بحث حول المناطق المتنازع عليها في العراق. بعدها، نشر رستم محمود مع «المدن» الذي تربطه معرفة شخصية برئيس تحريره ساطع نور الدين. بعد الضجّة التي أثارتها القضيّة على مواقع التواصل الاجتماعي، حاولنا أن نتبيّن منه ما جرى، بعد ما أقفلت أبواب «المدن» بوجهنا. يقول صاحب الشأن إنّه في تدوينته الشهيرة «لم يذكر أسماء أصدقائه السوريين، ولا اسم المنبر بشكل صريح، ولم يكن يعي عواقب ما يكتبه في حيّزه الخاص». ويعبّر عن دهشته «لدرجة تماهي الموقع مع شخص عزمي بشارة وخضوعه له». وأكّد أنّه كان يظنّ أن «العمل يجري وفق نظام بيروقراطي ومؤسساتي»، وأن بشارة «مدير مؤسسة تمّول هذه الصحيفة لا مالكها وسيّدها». ويتوقّف عند العاملين في «المدن»، مشيداً بتضامنهم معه عبر رسائل خاصة، وآسفاً في الوقت نفسه لكون هؤلاء لا يستطيعون الافصاح عن مواقفهم، رغم موافقة كثيرين منهم على ما جاء في تعليقه. ويرى أنّ هذا دليل على «تنازل المثقّف عن مبادئه (...)، تحت ضغط اعتبارات ومصالح مختلفة».
في النهاية، اختبر رستم محمود مشكلة سائدة في الاعلام العربي، إذ يعبّر الصحافيّون أحياناً على تويتر وفايسبوك عن مواقف متناقضة مع مؤسساتهم، أو منتقدة لها. مما يطرح أكثر من سؤال، حول حريّة التعبير طبعاً، لكن أيضاً حول واجب انسجام الحد الأدنى مع المكان الذي يعمل فيه الاعلامي. هل تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي فضاء عاماً يلزم صاحب الموقف به، أم حلقة خاصة وحميمة تخصّه؟ لكن السؤال الأهمّ هو حول قدرة موقع يبشّر بـ «الانفتاح» و«المجتمع المدني» على استيعاب الحدّ الأدنى من النقد العلني الذي لا يحيد عن الاطار المهني؟ تجربة رستم محمود تطرح سؤالاً عن حدود الحريّة في المنابر التي انجبها وسينجبها «الربيع الإعلامي».

يمكنكم متابعة زينب حاوي عبر تويتر | @HawiZeinab