كعادة «نوبل» كل عام، لم تذهب الجائزة إلى الأكثر حظوظاً، بل إلى «كتّاب الظل». لم يكن اسم الكنديّة أليس مونرو (1931) مطروحاً على لائحة مرشَّحي «نوبل» هذا العام، بل تسلّل في اليوم الأخير. مونرو التي أخلصت للقصة القصيرة طوال مسيرتها الكتابيّة الممتدة إلى ما يزيد على نصف قرن، كانت قد أكّدت أخيراً أن القصة لم تكن مجرد خيار إبداعي أو «بروفات إلى أن يحين وقت كتابة رواية»، بل كانت «القدَر الذي ينبغي مواجهته».
بجملة موجَزة أعلن السكرتير الدائم للأكاديمية الملكية السويدية في استوكهولم بيتر إنغلوند، أمس، فوز الكندية أليس مونرو بـ«نوبل الآداب» (1.25 مليون دولار)، واصفاً إياها بـ«سيّدة القصة القصيرة المعاصرة». بعدها، صدر الإعلان الرسميّ عن الأكاديمية ليتوّج «سردها القصصي المسبوك ببراعة، المتّسم بالوضوح والواقعيّة السيكولوجية».
لم يكن في وسع هذه الجملة المكثّفة أن تخفّف من صخب الصحافيين المحيطين بإنغلوند، خصوصاً بعدما تذكّر الجميع إعلان مونرو التوقف عن الكتابة بعد صدور مجموعتها الأوتوبيوغرافيّة «عزيزتي الحياة» (2012) التي نالت جائزة «تريليام بوك أوورد» هذا العام. اكتفى الرجل بالقول إنّ مونرو «أنجزت عملاً مذهلاً يكفي لنيل «نوبل». أما إن كانت السيدة مونرو قد قرّرت إنهاء مسيرتها الكتابية فعلاً، فهذا قرارها».
أما مونرو التي تلقّت رسالة هاتفية من الأكاديمية السويدية تُنبئها بالفوز بعد تعذّر الاتصال بها، فقد عبّرت عن «سعادتها وامتنانها لنيل الجائزة» على لسان المتحدث باسم ناشرها «بنغوين راندوم هاوس». وأضافت أنّها «سعيدة لأنّ الأمر سيجذب المزيد من الانتباه إلى الكتّاب الكنديّين».
تندرج قصص مونرو تحت تصنيف «أدب جنوب أونتاريو القوطي». الكثير من قصصها يجري في مكان واحد، هو مقاطعة هيورن في أونتاريو. وغالباً ما تكون الحبكة في أعمالها الأولى عن فتاةٍ وصلت سنّ البلوغ وبدأت رحلة معاناتها مع العائلة والبلدة الصغيرة التي تحدّ من أحلامها. بعدها، صارت مونرو أكثر ميلاً إلى البطلات النساء الناضجات. وعادةً ما تقارن بمواطنتها مارغريت آتوود الأكثر جرأة. لكن هدوء شخصية مونرو المنعكس على أدبها، جعل الكثير من النقّاد يصفون أدبها بأنّه «عن النساء ولهنّ، ولكن من دون أَبْلَسَة الرجال». إنّها «تشيخوف عصرنا» كما وصفتها الكاتبة الأميركية سينثيا أوزيك، إذ تستند قصصها إلى «لحظة تجلٍّ، وكشفٍ مفاجئ، ثم تمضي القصة بتفاصيل موجزة، دقيقة، وملهِمة».
لم يكن إعلان فوز مونرو بـ«نوبل» المرة الوحيدة التي تُثار فيها قضية توقّفها عن الكتابة. كان صدور مجموعتها «المنظر من كاسل روك» (2006) أول مناسبة تلمّح فيها إلى أنها ستتقاعد، لكنها عادت إلى الكتابة لتستمر أعمالها في الصدور بمعدّل شبه ثابت، منذ كتابها الأول «رقصة الظلال السعيدة» (1968)، أي بمعدل كتاب كل أربع سنوات. صاحبة «عزيزتي الحياة» ليست غريبة عن جوّ الجوائز، وإن كانت أكثر ميْلاً إلى الابتعاد عن صخب الأضواء. نال كتابها الأول أرفع جائزة كنديّة «جائزة الحاكم العام» التي كانت من نصيبها في مرتين لاحقتين. وكذلك، وصلت مجموعتها «من تظن نفسك؟» (نُشرت بعنوان آخر هو «الخادمة المتسوّلة» ــ 1978) إلى القائمة القصيرة لجائزة «مان بوكر» (1980)، لتنالها عام 2009 عن مجمل أعمالها التي وصفتها اللجنة بكونها «تُنتج عمقاً وحكمة ودقة في كل قصة، كما يفعل معظم الروائيّين في حياةٍ كاملة من الروايات».
لم يكن مستغرباً من مونرو (أبوها مربّي ثعالب ومَنْك، وأمها معلّمة مدرسة) أن تحوّل بلدتها الصغيرة إلى عالم قصصي كامل. منذ كانت في الحادية عشرة، قررت أن تصبح كاتبة، لترسم ملامح هذا العالم الصغير منذ قصتها القصيرة الأولى «أبعاد ظل» (1950). ليس ثمة تفصيل لا مكان له في أدب مونرو. لم يكن «النّفَس القصير» في قصصها عائقاً أمام رسم ملامح عالم روائيّ حافل. هي ترى أن «الأشياء الكبرى، مثل الشرور التي تحدث في العالم لها صلة مباشرة بالشرور التي تحدث حول طاولة عشاء»، وبأنّ القصة الطويلة (نوعها المفضّل في الكتابة) أفضل وسيلة في التعبير عن هذه الصلات، لأنّ الأمر المهم هو «كيف حدثت الأمور» وليس «ما الذي سيحدث»، كما يتوقّع القرّاء من أي عملٍ أدبي.



في المدن الصغيرة

إنّها المرة الأولى منذ 112 عاماً التي تكافئ فيها الأكاديمية السويدية (1901) كاتباً تقتصر أعماله على الاقصوصة. وأوردت الأكاديمية في بيانها أمس أنّ معظم قصص أليس مونرو تدور «في مدن صغيرة حيث غالباً ما يؤدي نضال الناس من أجل حياة كريمة الى مشاكل في العلاقات ونزاعات اخلاقية، وهي مسألة تعود جذورها الى الفروقات بين الأجيال أو مشاريع حياة متناقضة». واعتبرت أنّ «أليس مونرو تمنح عمقاً وحكمة ودقة في كل قصة، وقراءة كل عمل لها يعلّمنا شيئاً جديداً في كل مرة».