«لو جاء اليهود إلى بلد أوروبي وقالوا: نحمل كتاباً ينصّ على أنّ هذا البلد لنا، لكانوا ذُبحوا أو رُموا خارجاً. لكنّهم جاؤوا إلى فلسطين.. فقيل لهم: هل تريدون قهوة؟ هل نقدم لكم قطعة أرض؟ شو بتحبو؟ وها هي النتيجة». بهذه الملاحظة الساخرة التي أطلقتها صاحبة دار «أندلس» ياعيل ليرر، ينطلق وثائقي إيال سيفان «دولة مشتركة، محادثة محتملة» (124د) الذي طُرح في الصالات الفرنسية (متوافر على DVD).
السينمائي الإسرائيلي المناهض للصهيونية أهدى شريطه الجديد إلى المخرج والناشط الشهيد جوليانو مير خميس. في شريطه، يقترح إيال سيفان: اعتماد تشارك الأرض كما طرحتها «منظمة التحرير الفلسطينية» عام 1971 والتخلّي عن فكرة تقسيمها إلى دولتين. ويذكر سيفان أنّ مخطط التقسيم صهيوني، عنصري واستعماري، لأنّه يرفض التعايش مع أبناء الارض الأصليّين. انطلاقاً من هذا الاقتراح، جمع سيفان في شريطه 20 ناشطاً فلسطينياً وإسرائيلياً من باحثين وكتاب وصحافيين وسياسيين ومؤسسي تيارات مناهضة للاستيطان والصهيونية من بينهم عمر البرغوثي (حملة مقاطعة اسرائيل)، وسلمان الناطور، وعلاء حليحل، وهشام نفاع، وخالد زيادة، والمؤرخ الإسرائيلي المعروف بقراءته النقدية للأسطورة الصهيونية إيلان بابيه، وياعيل ليرر... طرح المشاركون السؤال: أين ستقام الدولتان؟ فالخرائط ما هي إلا ذهنية، والحدود غير موجودة. إسرائيل في كلّ مكان وفلسطين مغيّبة. هنا، يشير جدعون ليفي إلى أنّ «الاحتلال بات ملازماً لإسرائيل إلى درجة لا يمكن فصله». يشرح حسن جبارين كيف أنّ السلطة الفلسطينية لا تتمتع بأي سلطة فعلية. في داخل الخط الأخضر، «نخضع للنظام عينه الذي يهيمن عليه البرلمان والمحكمة العليا والجيش الإسرائيليون، فإسرائيل تسيطر على أصغر الأمور حتى أنّها تتدخل في مشاكل قد تقع بين جيران فلسطينيين في رام الله». ماذا نفعل إذاً؟ هل نطرد مستوطني أرض احتلها أهلهم بالقوة؟ يجيب الكاتب علاء حليحل بأنّ الفلسطينيين لا يريدون تحويل الجلاد إلى ضحية، فالإسرائيليون الذين ولدوا منذ 60 سنة أو أقل «لديهم الحقوق نفسها في هذه الأرض، والمشكلة هي مع أوّل فوج مستعمر جاء الى فلسطين». يذهب عمر البرغوثي إلى تجارب تعايش المستعمرين القدماء مع أهل الأرض، مضيفاً «أنا لست مع الدمج الإكراهي لكن مع الاندماج الأخلاقي الضروري». لكن شرط العيش معاً في «دولة ثنائية القومية» هو القضاء على الصهيونية. بحسب أمنون راز كراكوتزكين وهشام نفاع، فإنّ شرط الدولة ثنائية القومية يقضي بأن «يتنازل كلّ الإسرائيليين عن جزء من حقوقهم». فاليهودي لن يتخلّص من خوفه إلا حين يتخلّص من الصهيونية (أمنون راز كراكوتزكين). هذا الخوف ــ أي بعبع عودة اللاجئين ــ هو السبب الرئيس لاستمرار الصراع. يقول هشام نفّاع «يجب التوقف عن الكذب والتكلم بوضوح عن حق العودة». ويرى ميشال فارشفسكي إنّ «المجتمع الإسرائيل سيبقى مجنوناً، مريضاً، مصاباً بالانفصام، عاجزاً عن العيش في العالم المحيط به ومع نفسه إن لم يحرر نفسه من شبح 1948. هذا الشبح جعلنا مجانين، لا الحدود ولا «حزب الله». الحلّ سهل وسياسي». وبحسب أمنون راز كراكوتزكين، يترسّخ هذا الخوف بفعل «المصدرين اللذين تستمد منهما إسرائيل شرعيتها: التوراة وأوشفيتز. يجب إنشاء نموذج مبني على أسس أقل جنوناً من التوراة الذي يخترع نهايةً للعالم، وأوشفيتز الذي يجعل نهاية العالم. يجب العودة إلى المراجع اليهودية في القرون الوسطى حين كانت الهوية اليهودية متجذرة في العالم الإسلامي». من جهته، رأى إيلان بابيه أنّ الخوف من حق العودة يربّي هوس الإسرائيليين بالديموغرافيا «لأنهم متمسكون بالديمقراطية»، فيما الحكومة الدينية الإسرائيلية أبعد ما تكون عنها. مسألة الدولتين يجب أن تكون جغرافيةً لا ديمقراطيةً، إلا أن تقسيم الأراضي يبقى نظرة استعماريةً تحظى بدعم دولي. ويلخّص حسن جبارين الصراع في مسألتين: حقّ العودة (للاجئين) وقانون العودة (لليهود). «ما الذي يعني لنا نحن الفلسطينيون حق العودة؟» تسأل ساندي هلال، مضيفة «عودة 6 ملايين فلسطيني إلى مسقط رأسه والتخلي عن حياة استمرت 60 سنة من الأفراح والأحزان والجيرة والصدقات. هذا مجرد أمر خيالي يروّج له الصهاينة لجعل العودة أمراً مستحيلاً. لا تبعد عمّان عن حيفا إلا ساعة ونصف ساعة. من السهل العمل في مكان والسكن في آخر». أما ياعيل ليرر فتتحدّث عن الفرق بين قانون العودة وحق العودة، فـ«أي يهودي في العالم يصبح تلقائياً مواطناً في إسرائيل، فيما الأشخاص الذين طردوا من بلادهم لا يتمتعون بحق العودة إليها. اليهود الذين جاؤوا إلى إسرائيل حافظوا على حقوق لهم في أوروبا وهم يحملون جوازات سفر تلك البلدان وقد استعادوا منازلهم حتى إن لم يقيموا فيها. هنا نتحدث عن التعويض عن ظلم تاريخي. أمّا الفلسطينيون فقد طردوا من أرضهم وصودرت أملاكهم وسلبت جنسيتهم، وعلى أولادهم استعادة تلك الحقوق. هذا هو حق العودة. لا يحق لأحد التخلي عنه أو المتاجرة به».