«جبارة» هو عنوان الوثائقي الذي قدّمه نصري البركس أخيراً في «قصر الأونيسكو» تكريماً للمعلّم ريمون جبارة (الصورة) بمبادرة من «جامعة سيدة اللويزة» و«مؤسسة إميل شاهين للثقافة السينمائية». مبادرة لا تفتح الباب على تكريم أعلام المسرح في لبنان فحسب، بل لتأريخ هذا الفن الذي نادراً ما عولج سينمائياً، بعدما كان مادة دسمة لأكثر من تجربة أبرزها كتاب «هكذا» لعبيدو باشا. غير أنّ البركس لم يتّخذ طريق باشا النقدي، ولم يقدّم تقويماً لمسيرة جبارة، بل كان أقرب الى العمل التكريمي بني على شهادات ممثلين ونقاد عاصروه ورافقوه في أبرز اعماله أمثال انطوان كرباج، ورفعت طربيه، وكميل سلامة، وجوزيف بونصار، ومي منسى، وغبريال يمين، وجوليا قصار، وانطوان أبي عقل. لكن حتى هؤلاء تنطبق على معظمهم صفة الشهادات المجروحة، لأنّه كان له الفضل في إطلاقهم يوم كان المسرح اللبناني حلماً لكل طامح بالنجومية.
صنع البركس عملاً (120 دقيقة) بكادرات ثابتة وإسقاطات من الأرشيف من دون قيمة حقيقية للمعايير الفنية. لكن أهمية العمل تكمن في كونه غنياً من الناحية البحثية والإعداد. قدّم بأمانة علمية سرداً لانقسامات المسرح وتأسيس الفرق والتباينات التي بلورتها السياسة بين أبناء الكار الواحد.

لكن البركس قدم جبارة بالصورة التي يحب الجمهور رؤيته فيها، وغيّب الانتقادات التي واجهته دوماً خلال مسيرته. ينقسم الشريط الى 5 حقبات تبدأ في الستينيات عندما قررت لجنة «مهرجانات بعلبك» تأسيس «معهد المسرح الحديث»، و«فرقة المسرح الحديث» اللذين التحق بهما ريمون جبارة، قبل أن ينتقل الى «حلقة المسرح اللبناني» ثم «فرقة المسرح الحر» التي أسهم في تأسيسها. أما القسم الثاني فيتناول مرحلة ما قبل الحرب الأهلية وبداية التباينات الفكرية حيث بدأ ريمون جبارة تجربة الاخراج والتأليف مع باكورة أعماله «لتمت دزدمونة»، وبداية تمارين «دكر النحل» التي قطعها اندلاع الاعمال العسكرية بداية الحرب الاهلية عام 1975. القسم الثالث تناول الذروة الانتاجية في مسرح جبارة، حيث انجرّ كالآخرين الى الأعمال المؤدلجة الخادمة للقضية، فقدّم «شربل» و«زردشت صار كلباً» و«محاكمة يسوع» وصولاً إلى «دكر النحل» ورائعته «صانع الأحلام». ويغطي القسم الرابع مرحلة التراجع في مسيرة جبارة مع تعيينه رئيساً لمجلس ادارة «تلفزيون لبنان» واصابته بشلل نصفي أبعده عن المسرح. فيما يتناول القسم الخامس عودته غير المكتملة الى المسرح 1993 مع «بيكنيك على خطوط التماس»، و«يوسف بك كرم» وصولاً إلى «مقتل إن واخواتها».