545 يوماً، أي ما يعادل سنة و6 أشهر أمضاها المخطوفون اللبنانيون في سوريا. فترة مُنحت فيها للإعلام المحلي دجاجة تبيض ذهباً لتلقّف أخبارهم وطمأنة أهاليهم على أحوالهم، فتوزعت الكاميرات بين الضاحية (بئر العبد وحيّ السلم) وسافرت lbci و«الجديد» إلى إعزاز لقطف السبق ومقابلة المختطفين لتلتحق بهما باقي القنوات في ما بعد. شوائب مهنية كثيرة اعترت التعاطي الإعلامي مع هذا الملف في تفضيل السبق الصحافي على مراعاة جانبه الإنساني. شوائب راوحت بين استعراض بعض القنوات عضلاتها في قدرتها على الوصول إلى مكان المخطوفين وجعل الخاطف رجلاً «مُتعاطفاً معه» (أبو إبراهيم)، وصولاً إلى ذروة الاستخفاف الإنساني والمهني الذي تمثل في إعلان المخطوفين في عداد الأموات جراء غارة على مكان وجودهم في إعزاز السورية.
أول من أمس، وصل هذا الملف الإنساني إلى خواتيمه السعيدة عبر إطلاق المخطوفين التسعة في صفقة تبادل مع أسرى أتراك وسوريات. بدأت تباشير هذا الخبر يوم السبت ليلاً حين أُعلن نجاح «الوساطة القطرية» في إتمام هذا التحرير. مع هذا التبشير، بدأت وسائل الإعلام المحلية تُعدّ عدّتها لمواكبة الحدث، فتفاوت الاهتمام به بين قنوات غير مبالية وأخرى متحمسة. مع ذلك، سُجِّلت العديد من الملاحظات على أداء هذه القنوات التي لم تتوان عن فتح هوائها حتى لإذاعة «لا شيء»، وأخرى أدخلت نفسها في «كوما» استفاقت منها حين «دعت الحاجة».
البداية كانت مع «المنار» التي أعلنت ليل الجمعة في خبر عاجل نجاح عملية التفاوض. انفردت محطة المقاومة أيضاً بخبر عبور اللواء عباس إبراهيم مع المخطوفين إلى تركيا، ليصار بعدها إلى تناتش معلومة من اللواء بين القنوات الأخرى. في هذه الأثناء، فضلت lbci الاكتفاء بمواكبة الحدث في الاستوديو عبر سلسلة من الاتصالات مع أهالي المخطوفين وبعض السياسيين، فيما زرعت «الجديد» نفسها بين الأهالي في بئر العبد في مكان ضاق بالموجودين، ونقلت حالات الهرج والمرج التي سادت هناك، ولم يُعرف جدوى هذا النقل؛ إذ لم يفهم منه شيء، لا عبر الأسئلة العفوية، ولا عبر استعراض اللافتات التي سترفع في الاحتفال.
ويوم السبت، أبت «الجديد» وlbci إلا أن تنزلا بثقلهما إلى الميدان، فكانت مواكبة على الأرض توزعت بين حيّ السلم (مركز حملة الصدر) وبئر العبد (حملة بدر الكبرى) والعاصمة التركية عبر المراسلين (مالك الشريف وتانيا مهنا) لمواكبة ملف الطيارين التركيين المختطفين. طوال الوقت، تابع المشاهدون اقتطاعاً في البرمجة المعتادة لهاتين القناتين لمصلحة النقل المباشر الذي أعاد تقديم المعلومات عينها من تحضيرات للاستقبال واستصراح الأهالي، فكانت الدقائق الفاصلة بين نقل وآخر بمثابة استنفار واضح للمراسلين وللفريق المواكب. وتجلى الأمر في الإعياء الذي أصاب مراسل lbci إدمون ساسين الذي سقط أرضاً لدى تلاوة رسالته من بئر العبد. لكنّ lbci تحمّست لهذا الانهيار على الهواء، فراحت تتاجر به وتجبر ساسين على إكمال الرسالة، مع أن حالته الصحية كانت مزرية! وفيما حافظت «المنار» على وتيرة المواكبة ميدانياً وفي نشراتها الإخبارية المتلاحقة، غفلت باقي القنوات عن الحدث مع تسجيل لبعض الاختراقات بالأخبار العاجلة والنقل المتقطع نسبياً من الضاحية.
الساعة5:20 دقيقة كانت لحظة بدء العدّ العكسي لعودة المخطوفين. تسرّب خبر وصولهم عند السابعة مساء. ومن هذا الوقت لغاية الاحتفاء الكبير بهم أكان في المطار أم في الضاحية، استكملت التغطية، واشتعلت معركة «تناتش» المعلومات بين «الجديد» و lbci. وعلى خطى مي شدياق التي استفزها إيلاء المحطتين أهمية كبيرة لهذا الحدث الوطني (تغريدات على تويتر)، فضّلت mtv و«المستقبل» النأي بنفسها عبر نقلهما الذكرى السنوية الأولى لاغتيال اللواء وسام الحسن. جاءت الساعة السابعة لتشكّل صحوة للقناة الزرقاء التي انتقل مراسلها إلى المطار لتحصر نفسها في هذه البقعة من دون الذهاب إلى الضاحية. وكان تركيز على حضور نوّاب «المستقبل» كممثلين عن النائب سعد الحريري، فيما فتحت هواءها في الاستوديو لنواب التيار الأزرق وشخصيات من 14 آذار. وصلت ذروة المنافسة بين القنوات مع تداول أولى صور اللواء إبراهيم مع المحررين في الطائرة وصور المختطفين التركيين تحت عنوان «حصري». سريعاً، اتضح أنّه لا يتمتع بهذه الصفة على الإطلاق، وضاع المشاهد بين تمسّك كل قناة بالصور واعتبارها حصرية لها. وكان لافتاً أنّ «المنار» حظيت بالنقل المباشر من أمام مدرج المطار، وكانت أول من التقت بالعائدين مع تسجيل تركيزها على مدى استغلال المخطوفين لتحييدهم عن خط المقاومة، من دون الانتباه إلى عناصر مهمة يريد المشاهد معرفتها. ومع هذا البث المتواصل الذي جاء بعضه هباء، تولّت كل قناة مسألة تسييس هذا الملفّ الإنساني. وكما جرت العادة، صوّبت mtv على «حزب الله» في كل شاردة وواردة، وربطت خطف اللبنانيين بتدخل الحزب في سوريا وعملت على تبرئة المجرمين الخاطفين. وقالت في مقدمة نشرتها المسائية: «لقد خطف أبناؤنا الأعزاء إلى إعزاز كفارة عن جريمة لم يرتكبوها. لقد دفعوا من حريتهم ثمن تدخل فصيل لبناني في شؤون دولة أخرى». فيما أهملت «المستقبل» كليّاً عملية التحرير لتتصدر نشرتها ذكرى اغتيال الحسن، وشككت في عملية إطلاق السوريات المعارضات التي اعتبرته أمراً «صورياً».
في المحصلة، يمكن القول إنّ الإهمال الكلي أو الجزئي لمواكبة هذا الحدث والنقل المباشر المفرط الذي صبّ في «ملء الهواء» للهواء فقط من دون إضفاء جديد على ما يحدث ميدانياً... كل ذلك لم يكن موفقاً من قبل القنوات المحلية، فرأينا «اجتراراً» لاستصراح الشخصيات السياسية وللأهالي ونقلاً لغوغاء الشارع والفوضى من دون أن يفهم المشاهد شيئاً مما يدور في فلك هذا المراسل.

يمكنكم متابعة زينب حاوي عبر تويتر | @HawiZeinab