واحدة من نتائج الوضع السوري المتفجر أنّ الفنانين التشكيليين هناك ما عاد في استطاعتهم عرض أعمالهم الجديدة في الغاليريات المحلية. في البداية، وجدت هذه الغاليريات صعوبات في إعداد برمجة اعتيادية للمعارض التي ستحتضنها، قبل أن يقفل معظمها، ويكتفي الباقي منها بمعارض نادرة ومتباعدة.
المعارض نفسها صارت نوعاً من الترف في ظل أخبار الموت والقصف والتفجيرات. واصل الفنانون إنجاز أعمال جديدة، وبعض تلك الأعمال كانت تعكس الوضع الراهن، من دون أن تسلك طريقها الاعتيادي إلى الجمهور. وكنوع من الحل أو الضرورة، نزح الفن السوري كما نزح مواطنون عاديون وهاربون من الجحيم اليومي. وبسبب قرب لبنان (والأردن بدرجة أقل)، بدأت الغاليريات اللبنانية تستسيغ فكرة إقامة معارض فردية أو جماعية لفنانين سوريين، بعدما كان أغلب هؤلاء يواجهون صعوبات هائلة في إيجاد منفذ لهم في المواعيد المزدحمة لهذه الغاليريات. لا بد من أن لعبة التسويق والربح شبه المضمون ساهمت في تسهيل ذلك. سُمعة المحترف السوري وصيتُ الأسماء المكرسة والشابة فيه كفيلان بجذب مقتنين يمكنهم شراء الأعمال التي يريدونها بأسعار بخسة أو أقل من قيمتها الحقيقية. هكذا، لعب النزوح دوراً إيجابياً في تأمين منافذ لعرض الفن السوري، ولكن كثرة العروض والتسرّع فيها (قد يكونان) رخَّصا هذا الفن أو وضعاه في ظروف عرض غير منصفة أحياناً. نستثني هنا المعارض التي يقيمها الفرع البيروتي من «غاليري أيام» التي واظبت منذ إنشائها على تقديم أجيال مختلفة من الفن السوري، ولم تتأثر برمجتها كثيراً بالوضع المأزوم هناك.
مناسبة إبداء هذه الملاحظات هي الخشية من أن تفقد الأسماء السورية بريقها وقيمتها الحقيقية في الشتات. ملاحظاتٌ يصعب تجاهلها في العديد من المعارض التي أقيمت لفنانين سوريين في بيروت في السنتين الماضيتين، وآخرها معرض «دمشق بيروت بألوان الحب» الذي تقيمه شركة «سوليدير» و«آفاق» في صالة «169» في وسط بيروت. يضمّ المعرض لوحات ومنحوتات لـ 17 فناناً سورياً ينتمون إلى أجيال وحساسيات مختلفة. الملاحظة الأولى تتعلق بالانطباع السلبي والساذج الذي يبثه عنوان المعرض. لا نعرف إن كانت «ألوان الفرح» هي أمنية المنظمين أم مجرد كليشيه لغوية جاهزة، لكن الأعمال المعروضة سرعان ما تلتحق بالعنوان الجاهز. يبدو أنها جُمعت في مكان واحد من دون أن تحظى بالتوصيف الحقيقي لفكرة المعرض الجماعي أو المشترك. لا نقصد أن يتفق الفنانون كلهم على فكرة العرض فحسب، بل أن يكون هناك حوارٌ ما في تجاور أعمال هؤلاء في لحظة عرضٍ واحدة. راهن المنظمون على اسمي فاتح المدرس ونذير نبعة من الرواد، وعلى أسماء مكرسة أخرى مثل أسعد فرزات وعاصم الباشا وأحمد معلا وسبهان آدم، إضافةً إلى تجارب أخرى مثل جميل قاشا، وأحمد الشيخ، وعصام حمدي، وشادي أبو سعدى، وريما سلمون. لكن هذا الرهان لا يتحقق في الأعمال المختارة أو الأعمال التي أُرسلت للمشاركة في المعرض. أغلب الظن أن أغلب هذه الأعمال كان حصيلة اتفاقات منفصلة بين الجهة المنظمة وكل مشارك على حدة، وقد تكون المعروضات ذاتها محكومة بسهولة عرضها أو نقلها، ولعل بعضها موجود سلفاً في بيروت، وقد يكون أصحابها شاركوا بها أو ببعضها في معارض لم يمض وقت طويل على زيارتنا لها. لا ضير طبعاً من تكرار عرض أي عمل فني، إلا أن المشكلة مختلفة هنا. كأن المعرض مكتفٍ بمن حضر أكثر من كونه يطمح إلى إبراز روحية معينة أو يحتفل بشراكة أو مراكمة حقيقية للمحترف السوري أو يعكس المراكمة في هوية هذا المحترف. هكذا، يصبح المعرض تجميعاً كيفما اتفق، وليس فعلاً جماعياً خاضعاً لاشتراطات وطموحات شخصية قادرة على تأليف لحظة عرض مثالية أو عادلة لجانب مهم وثريّ من المحترف السوري. بطريقة ما، يحس الزائر أنه في سوقٍ مرتجلة أقيمت على عجل، وأن الأعمال المعروضة لا ينظر بعضها إلى بعض، أما عرضها في غياب أصحابها فيمنحها نوعاً من اليُتْم أيضاً.

يمكنكم متابعة حسين بن حمزة عبر تويتر | hbinhamza@


«دمشق بيروت بألوان الحب»: حتى الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) ـــ صالة «169» (الصيفي، وسط بيروت) ــ للاستعلام: 01/962000




لا مفاجآت


باستثناء المفاجأة الصغيرة في عرض لوحتين تعودان إلى عام 1956 لفاتح المدرس (1922 ـــ 1999) وتختلفان عن الممارسات والتقنيات التي صنعت اسمه وأسلوبه لاحقاً، فإن أغلب الأعمال المعروضة لا تقدم جديداً لا نعرفه عن تجارب أصحابها، بل إن اللوحات الثلاث الأخرى للمدرس نفسه تبدو باهتة وبلا طعم، وهو ما ينطبق على لوحتي نذير نبعة أيضاً. تلفت نظرنا التشخيصات المختلطة بحروفية جديدة في أعمال أحمد معلا، وشعرية المعدن في منحوتات الباشا وأحمد الشيخ، وتجريبات عصام حمدي التي تظل بلا معنى واضح، والتوشيحات الأنثوية في لوحات أسعد فرزات، وجماليات القبح في بورتريهات سبهان آدم، والمزاج التعبيري في وجوه ريما سلمون، لكننا لا نعثر على مقترحات مفاجئة في ذلك.