القاهرة | عدد قليل من الفنانين ينجح في الحفاظ على نجوميته مع مرور السنوات. نجوم على قياس أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم حافظ وعادل إمام لم تخفت عنهم الأضواء أبداً، حتى إنّ من رحل منهم ما زال مثيراً للجدل ومصدراً للإلهام، لكن وحده أحمد عدوية (1945) صنع لنفسه قاعدة مختلفة! مطرب فتح أفقاً جديداً للأغنية الشعبية المصرية، وعُدّ من أشهر رموزها في السبعينيات، لكنّ حادثاً أليماً أجبره على الابتعاد عقداً كاملاً قبل أن يؤكد أنّه ما زال قادراً على العطاء، فتحوّل إلى قبلة لفنانين شباب وجدوا في الغناء إلى جانب عدوية إضافةً كبيرة إليهم.
البداية تحسب بالطبع لمصلحة الفنان اللبناني رامي عياش، الذي كان أوّل المستفيدين من خبرة وأصالة عدوية، ونجح من خلاله في الوصول إلى كل بيت مصري. أكثر من 4 سنوات مرّت على صدور دويتو «الناس الرايقة» التي كتبها أيمن بهجت قمر، ولحّنها محمد يحيي، فيما أخرج كليبها سليم الترك. لا تزال الأغنية تلقى نجاحاً واسعاً، لأنّها ببساطة تحوّلت إلى «إيفيه» مصري. بات الناس يسترجعون عبارة «وبحب الناس الرايقة اللي بتضحك على طول» كلّما سنحت الفرصة، ليكملوا فوراً: «أما العالم المضايقة أنا لا مليش في دول».
المفارقة أنّ المغني اللبناني الشاب استفاد من عدوية أكثر من نجله الوحيد محمد، الذي قدّم مع والده أيضاً دويتو «المولد» (كلمات ربيع فرج، ألحان محمد عدوية) محققاً نجاحاً ملحوظاً، لم يصل إلى مستوى انتشار «الناس الرايقة». غير أنّ الخطوة الأكثر جرأة كانت من «وسط البلد»، إحدى أبرز الفرق الموسيقية التي صنعت لنفسها خطاً مستقلاً عن طريق النجوم المعروفين على الساحة المصرية. الفرقة ومطربها هاني عادل وقفا إلى جوار أحمد عدوية أخيراً، وأعادا معه تقديم أغنيته الشهيرة «كركشنجي دبح كبشه» (كلمات حسن أبو عتمان، وألحان محمد عصفور)، لكن التوزيع الموسيقي الجديد حمل توقيع حسن الشافعي أحد أعضاء لجنة تحكيم برنامج «أراب آيدول».
بفضل هذه التجربة الجديدة، طرقت «وسط البلد» أبواب فئة من الجمهور لا تعترف بسهولة بأعمال الفرق الغنائية، لكن كما فعل عياش وعدوية الابن، فإنّ وجود نجم الأغنية الشعبية فتح آفاقاً لم يتخيّلها بالتأكيد أولئك الذين هاجموه طويلاً خلال سنوات الانتشار الأولى. وربما صاحب أغنية «ما بلاش اللون ده معانا» نفسه والمقربون منه لم يتوقعوا أن يحقق هذا النجاح مجدداً، بعدما سقط بين الحياة والموت في نهاية الثمانينيات، وكانت أقصى التمنيات يومها أن يعود من الغيبوبة (راجع الكادر).
لكن اليوم، ها هو أحمد عدوية يعود ليحتلّ أشهر شوارع القاهرة عبر تصدّره اللوحات الإعلانية لأغنية «كركشنجي دبح كبشه». لقد استعاد نجوميته رغم رفضه الانسياق إلى الطريق المنحرف الذي اتبعته الأغنية الشعبية في السنوات العشر الأخيرة على حد تعبيره. بمجرد عودته للوقوف أمام الميكروفون، تلقى صاحب أغنية «زحمة يا دنيا زحمة» دعوات لتسجيل أغنيات تقترب من السائد، كأغنية سعد الصغيّر «بحبك يا حمار». عدوية الذي اتهمه النقاد بالابتذال في بداياته، يرفض اليوم الغناء مرتدياً الشورت، وتقديم أغنيات «تتجاوز» التقاليد في محتواها، أو يستمع إليها الجمهور بسبب موسيقاها الصاخبة لا كلماتها المؤثرة.
بحسب الناقد أسامة الشاذلي، فإنّ أبرز ما دفع عدوية إلى الصمود أمام هجوم النقاد في بداية مشواره هو نجاحه في اصطحاب الشارع إلى الأغنية لا العكس. قدّم أغنيات يشعر بها المواطن البسيط مستخدماً كلمات «تغضب المثقفين لكنّها بسيطة خالية من الاسفاف» كما يقول المطرب الكبير، الذي يَعدّ أغنية «السح الدح أمبو» هي «وش السعد» عليه بعد سنوات طويلة من التعب في الأفراح والموالد. هناك كان عدوية يغني مقابل جنيه واحد في الليلة، ويتناول العشاء مجاناً، قبل أن يصبح النجم الأوّل في «شارع الهرم»، الذي تزامن افتتاح الملاهي الليلية فيه مع سطوع نجم عدوية.
هل يحبّ وصفه بـ«مطرب الانفتاح» في إحالة على سياسة أنور السادات الاقتصادية التي أدّت إلى «تدمير الطبقة الوسطى»؟ لا يبدي عدوية اهتماماً بالألقاب. يَعدّ نفسه مطرباً ناجحاً لأنّه اقترب من الناس وقدّم إليهم كلمات مختلفة، والأهم أنّ لديه صوتاً قوياً ودراية حقيقية بالموسيقى. ابن محافظة المنيا قدّم «بنت السلطان» التي غناها مطربون كثيرون بعده، و«سلامتها أم حسن» و«أم عبده فين»..، واهتم فقط بالوصول إلى الناس، حتى إنّ مشاركته في 30 فيلماً كانت لهذه الغاية أيضاً. تجاوز محنة المرض العضال، وعاد إلى الجمهور من دون أن تجبره المتغيرات على تقديم ما لا يقتنع به. كل ذلك يفسر تحوّله قبلة المطربين الشباب في السنوات الأخيرة، بينما اكتفى هو بنشوة الانتصار على كل الصعاب والاستمرار في الغناء كما يتمنى.

يمكنكم متابعة محمد عبدالرحمن عبر تويتر | @MhmdAbdelRahman




غيبوبة بسبب امرأة

منذ تعرّض أحمد عدوّية للأزمة الصحية التي أدخلته في غيبوبة في الثمانينيات، كثرت الشائعات حول الموضوع، وما زالت الكثير من ملابسات الحادث مجهولة حتى اليوم. الأكيد هو أنّ السبب كان امرأة علم حبيبها بعلاقتها بالمطرب الشعبي، فقرّر الانتقام منه عبر تقديم كوب من العصير له يحتوي على كميّة كبيرة من المخدرات أدخلته في غيبوبته وجعلته في وضع صحي حرج جداً، إلى درجة ظنت عائلته أنّه توفي. بعدها، سافر عدوّية إلى فرنسا للعلاج، فيما أكدت زوجته لوسي في تصريحات عديدة أنّ كل ما قيل عن تعرّضه لاعتداء جسدي وبتر عضوه الذكري هي «محض افتراءات»، مضيفةً أنّ «هو زي الفلّ».