كريم مروة *يفقد العالم العربي بغياب محمد دكروب علماً كبيراً من أعلام الثقافة العربية. فاجأنا محمد بغيابه السريع قبل أوان الرحيل، وخسرتُ أنا شخصياً بغيابه رفيق تعامل ودرب، ورفيق حياة مشتركة في مهمات متعددة.

تعود علاقتي بمحمد إلى مطلع أربعينيات القرن الماضي، كنا في ذلك الحين نقيم في مدينة صور، افترقنا لفترات معينة من الزمن، كل منا في مكان بعيد في أرجاء الدنيا، ثم عدنا فالتقينا في لبنان وفي بيروت التي كانت بالنسبة إلينا كما قال ذات يوم الشاعر محمود درويش الخيمة التي كنا نستظلّ بها. اشتركنا في مهمات ثقافية في مراحل متعددة من حياتنا، كان أهمها وأكثرها جمالاً ومتعةً ثقافية ذلك القرار الذي اتخذناه في عام 1993 بإعادة إصدار مجلة «الطريق» بعد توقفها عن الصدور في العام الخمسين لتأسيسها. وكنت قد اشتركت معه في عام غيابها المشار إليه، في إصدار عدد وداعيّ للمجلة، جهد محمد خصوصاً بملئها بحشد من الكتابات القديمة التي ملأت صفحاتها السابقة. في هذا الإصدار الجديد الذي استمر عشر سنوات حتى 2003، كانت المجلة منبراً من أهم المنابر الثقافية في العالم العربي. جهدنا معاً محمد وأنا بإثارة النقاش على صفحاتها حول العديد من القضايا الفكرية والسياسية والثقافية، بين التيارات المتعددة الاتجاهات في العالم العربي، في ميادين الفكر، والأدب والفنّ. لكن أهمّ تلك النقاشات كانت تدور حول مرحلة ما بعد انهيار التجربة الاشتراكية، وكنا حريصين، كلانا، على حضّ الكتّاب والمفكرين على تقديم إسهاماتهم حول المرحلة الجديدة التي تواجه عالمنا العربي وتواجه على وجه الخصوص اليسار ما بعد انهيار التجربة الاشتراكية.
محمد دكروب في حياتي يحتلّ موقعاً خاصاً ساهمت فيه الأعوام السبعون من علاقتنا. ورغم طول العمر والمتاعب التي رافقت كلينا، فقد كنا حريصين على أن يظلّ القاسم المشترك في أعوام عمرنا، هو الأساس الصلب لعمق الصداقة التي ربطت بيننا. يصعب الحديث الآن عن محمد في هذه اللحظات التي اودّعه فيها، وبالطبع لا أدّعي أنني أكثر من سواي أشعر بالخسارة. الخسارة هي خسارة الثقافة العربية جميعها، فتراث محمد دكروب الثقافي الغني يشير إلى الموقع الذي احتلّه في هذا العالم الرحب الذي اسمه عالم الثقافة. وهو ما تشير إليه العديد من كتبه التي عرّف فيها القراء العرب بأعلام الثقافة العربية الكبار. لا أستطيع أن أقول لمحمد وداعاً، لا أحب كلمة الوداع، ولا سيما إذا كان الأمر يتعلق بشخص من نوع محمد دكروب. ستبقى يا رفيقي وصديقي محمد دكروب دائم الحضور في الذاكرة والعقل والوجدان.
* كاتب لبناني