«أرجو منك أن تحترم ذكاء المشاهدين وعقولهم»، عبارة نسمعها كثيراً من مارسيل غانم. يقولها بَطرك الـ«توك شو» السياسي في لبنان لبعض ضيوفه، حين تبلغ درجة الزعبرة لديهم حدّاً (حتّى هو) لا يمكنه احتماله، على قاعدة «الشعب يريد المينيموم» من المنطق واللياقة. لكنّنا لا نعرف إلى أي مدى طبّق مارسيل غانم هذه القاعدة على نفسه أوّل من أمس، في حلقة «كلام الناس» الإنتربوليّة، بل الإنتر ـــ أمميّة العابرة للأنواع والأشكال والقوالب والأخلاقيّات والقواعد. إلى أي مدى احترم ذكاء المشاهدين وعقولهم؟ إلى أي مدى يخدم صورة الـlbci؟ ربّما علينا أن نتعاطف مع الجندي الأمين، إذ ينفّذ بأمانة توجيهات صاحب المحطّة التي تزدهي هذه الأيّام بألوانها الجديدة في الإعلانات، ولمّا تصل إلى الشاشة… موضوع «كلام الناس» هذا الأسبوع كان استثنائيّاً: الاحتفال بالمواطن إلياس المرّ بكل بساطة، في مسرحيّة من ثلاثة فصول، يتخللها «فلاش مستقبلي»، حركة ذهاب وإياب في الزمان والمكان بين ليون وجنيف. إنّها باختصار تركيبة مبتكرة جديرة بأفلام الخرافة العلميّة.
دولة الرئيس حاز جواز الإنتربول الذي يخوّله التجوال براحة بال في 63 دولة، وقريباً في كل كواكب النظام الشمسي. دولة الرئيس انتخبته ١٩٠ دولة في منصبه الذي لم نعرف تماماً طبيعته، رغم كل جهود الإعلامي وضيفه «رجل الأمن الأوّل في العالم». هبط ابن لبنان البار على الحلقة بأسانسير الإنتربول، كما كان آلهة الإغريق يهبطون على العامة. وها هو يجلس قبالة السيّد نوبل (سعادة الأمين العام لمنظمة الإنتربول) الذي يشارك في احتفال مهيب يحييه مارسيل بخفة فيل في متجر بورسلين. وغمرت شاشتنا الملوّنة الفرحة بتنصيب مواطن لبناني بسيط من بتغرين، وسياسي وطني مستقيم، ورجل دولة وأمن لا غبار عليه، زعيماً للأمن العالمي. لماذا الحسد والغيرة؟ لماذا نحرم أنفسنا من الفرح؟ أي حقد دفين هذا؟ كيف لا يحتفل هذا الشعب الناكر للجميل، كما فعلت مي شدياق وإلهام فريحة، بوصول لبنان كلّه إلى «قيادة» الإنتربول؟ كيف لا يحتفل العرب بهذه اللحظة التي غسلتهم من شبهة الإرهاب، ليصبحوا مجنّدين في خدمة النظام العالمي؟ الحمد لله على أن مارسيل يصل دائماً في الوقت المناسب، لإنقاذ ماء الوجه، وإحقاق الحق، وإعادة الأمور إلى نصابها.
في حياة مارسيل غانم المهنيّة، رغم كل إنجازاته السابقة، هناك ما قبل حلقة الإنتربول وما بعدها. هذه الحلقة الفريدة في تاريخ الإعلام اللبناني، جمعت بين البث الحي والبث المسجّل (مع اعتناء فائق بالراكورات، أو الوصلات، ما يشي بسيناريو محكم ومدروس بعناية). كذلك جمعت الحلقة التاريخيّة بين العربيّة والإنكليزيّة، الروائي والوثائقي، المافيوي والأخلاقي، الترويجي والإعلامي، السياسي والأمني، اللبناني والدولي، الريفي والكوني، الإقطاعي والمؤسساتي، الفورد أبو دعسة والهاي تك، الأنا والنحن، الذاتيّة والموضوعيّة، بهو الإنتربول الفرنسي وصالة الفندق السويسري التي شهدت أول اجتماع لـ«عصبة الأمم» عام ١٩٢٠، فترة تأسيس الإنتربول واختراع السينما… حلقة عابقة بالتاريخ، في قالب مهني لا غبار عليه، مثلما عوّدنا الإعلامي مارسيل غانم. وبما أن الكلام في السياسة غير مستحب في مبنى الإنتربول في ليون، فقد شنكل إلياس المرّ مارسيل، وسافرا الى جنيف (أليس من فندق لائق في ليون؟). هنا صار بوسع المرّ أن يحكي بحريّة في السياسة اللبنانيّة، «لايف» هذه المرّة، مع أنّه «زعيم» الإنتربول، والإنتربول لا تحبّ السياسة؟ أسدى دولته النصح إلى كل الأطراف، داعياً الى السلام والوئام. معاليه قلبه على «الكيماوي» السوري إلى درجة أنّه يساويه بسلاح حزب الله الذي يخشى عليه من أن يطرح على طاولة الحوار الأميركيّة ــ الإيرانيّة. «أين نصبح عندها نحن الذين دافعنا عن سلاح حزب الله؟». ويقترح دولة الرئيس حلاً نموذجيّاً للأزمة اللبنانيّة، هو نظام الكانتونات: انظر مثلاً يا مارتشلّينو، «كانتون جنيف لا يدفع ضرائب عن كانتون لوزان!» («كانتون» لوزان؟). أما «المفاجأة» فإعلانه من موقعه الأممي الجديد عن مجموعة تجهيزات متطوّرة سيهبها للأمن العام اللبناني الذي لم يطلب شيئاً.
مارسيل غانم حقّق أكثر من إنجاز بلا شك: كاميرات أدما هي الأولى في التاريخ، القادرة على اختراق مبنى الإنتربول في مدينة ليون الفرنسيّة. لا تسألوني كيف ولماذا؟ هناك أمور استراتيجيّة لا نفهمها نحن عامة الشعب. ولم يكتفِ مارسيل بتحويل الإنتربول كلّها إلى ديكور لفيلم لبناني طويل، بل أتى بأمين عام هذه المؤسسة الدولية الخطيرة وحوّله إلى كومبارس أو سنّيد في استعراضه. رولان نوبل، الرجل الباسم من دون أن يفقه شيئاً مما يدور في الخلفيّة الريفيّة لكل هذا، يتمتّع بغنائيّة عالية، وقدرة على التفاؤل والسعادة، كما في الأفلام الهوليوديّة التي تخفي إجمالاً خلف ديكورها بؤس العالم. سمعناه يمدح زميله الجديد، يخاف عليه من الأرق ومن الاغتيال، ويكرّر الخبريّة نفسها بلا كلل: سيذهب مستر المرّ إلى رؤساء الدول والحكومات، و… رؤساء الفنادق، ويقنعهم بالتعاون مع الإنتربول «من أجل عالم أكثر أماناً».
«مؤسسة الإنتربول لعالم أكثر أماناً» باتت هي الأصل، تحدد الاستراتيجيّات الأمنيّة في العالم بقيادة رجل من لبنان. أما «منظمة الإنتربول» التي نعرفها، فباتت فرعاً تابعاً لها على الأرجح. أم أننا أسأنا الفهم؟ الحكاية معقّدة بصراحة! الخبر المؤكّد أنه ليس «صندوقاً» ذاك الذي بات يرأسه الوزير المرّ، كما روّج العزّال في لبنان، بل «مكنة»! نعم سيخترع إلياس المرّ ماكينة، وينشرها في كل مصارف العالم ومستشفياته وصيدليّاته ومصارفه وفنادقه… لإحكام القبضة على لصوص العالم ومكافحة المافيات والجرائم والإرهاب والفساد المالي (ومن يدري قد يوسع البيكار ليشمل الافكار الهدّامة؟). سيصبح بوسع أي مواطن في العالم أن يعرف الحرامي من خلال application بسيطة على موبايله. إنّها فلسفة شاملة اسمها «تشيك إن»، الحجر الأساس في البرنامج الأممي الذي أطلقه الياس المرّ مباشرة على مؤسسة بيار الضاهر للإعلام. دُهش مارسيل وترقوص وتبسّم وتملعن ووعد صديقه المستر نوبل بأن يعطيه نسخة من المعلومات بالإنكليزيّة والفرنسيّة، هديّة من lbci، كي يضعها على موقع الإنتربول تعميماً للفائدة…






يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@