القاهرة - يحتفظ موقع يوتيوب بتسجيل حفلة تعود إلى نهاية الثمانينيات، حيث يغني عمرو دياب أغنية عبد الحليم حافظ «التوبة» (عبد الرحمن الأبنودي وبليغ حمدي). لا يكشف التسجيل عن انفعال جمهور الحفلة ـــ معظمها من الفنانين ـــ بأداء دياب فحسب، وإنما يكشف أيضاً عن عدد مشاهدات يصل إلى ربع مليون مشاهدة، ويقل بعشرين ألف مشاهدة فقط عن الأغنية الأصلية لـ«العندليب الأسمر».
الثمانينيات لم تكن فقط مرحلة تحوّل من الألحان الشرقية الطويلة إلى التوزيعات الغربية القصيرة التي عرفت «بالأغنية الشبابية». لكن دياب أحد أبرز نجوم تلك الحقبة وما بعدها، كان كذلك حلقة وصل بين أجيال الجمال الأصلي للصوت، الحنجرة الطيّعة، وبين القدرة على التقاط ذوق الأجيال الجديدة ثم توجيهها موسيقياً في ما بعد. لقد واظب على ذلك لثلاثة عقود، وهو مدى زمني مدهش قياساً إلى فن «شبابي». تخطى دياب مرحلة الشباب منذ أمد، لكنه ظل يعكسها موسيقياً، وإن سقط من حين إلى آخر في كبوات، كما جرى في ألبومه الجديد «الليلة» (روتانا). وبالطبع، فإنّ كبوات دياب ليست كغيره، فهي لا تعني عادة الفشل الذريع، بل تعني ألا يكون الألبوم الجديد «حدثاً» أو نقلة فنية.
في منتصف التسعينيات، عاد دياب من كبوة مثيلة، إذ تفوقت عليه مؤقتاً ـــ نجاحاً وتوزيعاً ـــ أصوات منافسة؛ أبرزها محمد فؤاد. لكن دياب وجّه ضربته عائداً بقوة، مع قوة ثلاثية هي حميد الشاعري موزعاً، وناصر المزداوي ملحناً، وطارق العريان مخرجاً للأغنية والكليب «حبيبي يا نور العين». قفزت تلك الأغنية من الذاكرة الآن لأنّ كليب الألبوم الجديد لأغنية «الليلة» دفع المشاهدين من لقطاته الأولى إلى تذكر الكليب الذي أخرجه العريان قبل عشرين عاماً. الكليب الجديد (أخرجه الأميركي مايكل برنارد) استنسخ روح القديم ولو تغيّر الشاطئ، والفتيات بالطبع. وبما أنّه ليس هناك ما يميّز الأغنية نفسها (كلمات تامر حسين وألحان عمرو دياب)، فقد انحصر النقاش في استعادة الماضي من جهة، و«الصندل» الذي انتعله دياب مع البذلة.
لم يُعرف دياب عموماً بتميّز كلمات أغانيه. معظمها متشابه، وبعضها لا يمكن حتى تمييزه عن بعضه الآخر. لم تكن تلك مشكلة للمطرب الذي اعتمد على ثلاثية الصوت، والموسيقى، و«الستايل». لكن «غياب الكلمات» في «الليلة» كان ربما الأسوأ، في ظل اعتماد دياب على الشاعر تامر حسين في كتابة 7 من أصل 12 أغنية يضمها الألبوم. إضافة إلى «الليلة»، كتب حسين «عندي سؤال»، و«أهي ذكريات»، و«حبيب قلبي» و«فوق من اللي انت فيه»، و«جرالي إيه»، و«حبيت يا قلبي».
يمكن مقارنة الكمّ السابق فنياً أو جماهيرياً، بأغنية واحدة استعان فيها دياب بالمخضرم بهاء الدين محمد، وهي «أيوه ما فيش منك». تسربت الأغنية إلى الجمهور قبل أشهر حين أدّاها عمرو في بعض الحفلات، وحققت نجاحاً كاسحاً، ساهم فيه اللحن الذي وضعه عمرو بنفسه. ومرة أخرى يتفوق لحنه مع بهاء محمد، على أربع أغنيات أخرى لحّنها بنفسه في الألبوم، ثلاثة منها من كلمات تامر حسين («عندي سؤال» و«جرالي إيه» و«أهي ذكريات»). أما الرابعة فمن كلمات خالد تاج الدين «لفيتها بلاد».
وكان يُفترض بالنجاح المسبق لـ«أيوه ما فيش منك» أن يحقق دفعة للألبوم عند إصداره. لكن حصل العكس، لأنّ الأغنية ظلّت الأنجح بعد الاستماع للأغنيات الـ 11 الأخرى، ولم تُسعف الألبوم استعانة دياب المحدودة برفاق قدامى، كعادل عمر في «يا قلبها» التي لحنها رفيق نجاح قديم آخر هو خليل مصطفى، الذي لحّن أيضاً في الألبوم «سبت فراغ كبير» و«عدت الأيام» وكلاهما من كلمات رفيق ثالث هو مجدي النجار. ويمكن لمقارنة عابرة مع إسهامات تلك الأسماء مع عمرو في الماضي أن توضح الفارق. من كلمات عادل عمر على سبيل المثال كانت أغنيات مثل «حاولت» و«يلوموني». ومن أشهر ألحان خليل مصطفى كان «شوّقنا». أما مجدي النجار فتعددت نجاحاته مع دياب منذ بداية المشوار، ومن أبرزها «خالصين و«لما كان» و«غيرت خلاص عنواني».
صاحب المشوار يُقارن بنفسه لا بغيره. وهنا يبقى أكثر ما يعيب ألبوم «الليلة»، غياب النقلة الموسيقية (رغم توزيع أسامة الهندي) التي اعتاد دياب صنعها كل عدة سنوات، في الثمانينيات مع «ميال» أو «شوقنا»، في تسعينياته الذهبية مع «ما تخافيش»و«نور العين» و«أيامنا» و«قمرين»، أو بدايته الألفية القوية في «تملي معاك» و«أكتر واحد» الذي حققت إحدى أغنياته «حبيبي ولا على باله» (ألحان محمد رحيم) تحولاً أعاد الموسيقى لسنوات إلى خط شرقي افتقدته طويلاً. كل تلك العناوين السابقة مجرد أمثلة، ولسوء الحظ أنّ «الليلة» لا يمكن أن يضاف إليها.