مساء الجمعة الماضي، اهتزّ البلد بسبب برنامج تلفزيوني، ولعلّ لبنان هو المكان الوحيد في العالم الذي يمكن برنامجاً أن يشعل «حرباً أهليّة». في حلقته الأخيرة، اختار فريق «بس مات وطن»، برنامج شربل خليل السياسي الساخر على lbci أن «يدعو» ضيفاً من نوع خاص، لديه معه ذكرى كاوية تعود إلى عام ٢٠٠٦. على الأرجح، كان شربل يعرف مسبقاً أنّه «سيولّعها»، وهو يستحضر شخصيّة حسن نصر الله التي أدّاها على طريقته جان بو جدعون. هل أراد كسر مناخات الركود التي تلفّ الحياة العامة العالقة في حلقة مفرغة؟ أم رفع نسبة المشاهدة الراكدة هي الأخرى؟

هل أراد صدم مواطنيه، عساه يخرجهم من حالة الخمول واللامبالاة والاستسلام القدري لمصيرهم؟ أم تراه يتعامل مع الضحك تعويذةً ضد الشلل والعقم والإحباط، والحروب الصغيرة والخوف الكبير؟
ربّما لم يملك الرجل ولا فريقه كل هذه الطموحات والادعاءات، بل يريد، من موقع سياسي محدّد، أن يمارس النقد، كما يفعل طوال الوقت مع شخصيات عامة، سياسيّة وروحيّة. نقد ضعيف، هذه المرّة على الأقل، لأنّه يسطّح النقاش: الحلقة أثارت، بطريقة اختزاليّة، كل القضايا الحارقة المطروحة على حزب الله منذ أشهر، من سلاح المقاومة إلى دوره في سوريا، مروراً بالعلاقات الصعبة مع الحليف البرتقالي. وأعطت لـ«السيّد حسن»، في نسخته الكاريكاتوريّة (الحذقة والمهضومة)، دور الشرير طبعاً. عكس ذلك، كان سيفاجئنا. موقف «بس مات وطن» لا يضيف شيئاً إلى خطاب «محور الخير» المهيمن، بل يستنسخ الانتقادات السائدة لحزب الله.
لكن تناول سيّد المقاومة في برنامج ساخر، لم يمرّ على سلامة. وزاد الطين بلّة اسكتشان بالَغ بعض «الحنبليين» في اعتبارهما «مسّاً بالمقدسات»، فيما يستندان إلى الفطرة الشعبية التي تستقي عناصرها من المخزون الحضاري والديني (يونان الخارج من بطن الحوت، يقول: «شكراً قطر»، والرب نفسه يعجز عن اقتلاع مديرين عامين من منصبيهما: عبد المنعم يوسف وسهيل البوجي!). في أكثر من منطقة، نزل شبان غاضبون إلى الشارع ورفعوا هتافات مذهبيّة وهددوا وقطعوا الطرق، وطالبوا المحطة وصاحب البرنامج بالاعتذار. ردود فعل عفويّة لا علاقة للحزب بها، لكنّها تلحق الأذى بالمقاومة، عبر تعزيز الصورة السلبية الظالمة التي تُروّج عنها، وعبر خلخلة السلم الأهلي الذي هو حصن المقاومة وسندها. أليس جمهور المقاومة هو المؤتمن الأوّل على الحريّة والسلم الأهلي؟ وقفنا بالأمس مع شربل خليل حين قامت ضدّه السلفيّة المسيحيّة لأنّه انتقد بطرك الموارنة. وها نحن نؤكّد حقّه المقدّس في النقد ــ والسخرية أحد أشكال النقد المتعارف عليها ــ أيّاً كان الرأي في أدائه. لكل مواطن الحق في تناول أي شخصيّة عامة تتخذ مواقف وقرارات من شأنها أن تؤثّر على حياتنا وتنعكس على المصلحة العامة. «بس مات وطن» برنامج ساخر في النهاية، تلك حدوده، وهذا مستواه الفكري. وصانعوه أحرار في أن يلعبوا على الكليشيهات السائدة، في سياق الحملة الكونيّة الممنهجة لأبلسة حزب الله. هذا شأنهم، وللمشاهد أن يتفرّج ويحكم. ولمعارضي خطاب شربل خليل أن يردّوا عليه بكل الأشكال السلمية والحضارية المتاحة. لكن لنتذكّر دائماً أن حريّتنا هي من حريّة خصمنا، وما نطالب به له نطالب به لأنفسنا. أي بلد هذا الذي لا يحتمل اسكتشاً نقدياً ساخراً؟

يمكنكم متابعة بيار أبي صعب عبر تويتر | PierreABISAAB@