القاهرة | سخر فنان الغرافيتي المصري الشهير عمار أبو بكر من فكرة إقرار قانون جديد يعاقب من يرسم على الجدران بالحبس أربع سنوات وبغرامة مالية بحدود 18 ألف دولار أميركي، قائلاً: «إنّهم يورطون أنفسهم، ويريدون أن نرسمهم من جديد لأنّهم لم يعودوا في الصورة». وتابع أنّ «محامياً نصح فناني الغرافيتي قائلاً: عقوبة القتل الخطأ هي ثلاث سنوات مع تسديد 6000 جنيه غرامه. يعني لو ضابط ضَبَطَك متلبساً وأنت ترسم غرافيتي. اقتله أهون».
لم تخف سخرية أبو بكر الذي نال شهرة كبيرة عقب «ثورة 25 يناير»، من سوداوية المشهد في مصر ولا من المصير الذي ينتظر فناني الغرافيتي، بعدما أعلن وزير التنمية المحلية اللواء عادل لبيب انتهاء الوزارة من إعداد قانون جديد يجرّم الكتابة على الجدران. لبيب الذي شغل سابقاً مناصب أمنية كثيرة، أبرزها رئيس مباحث أمن الدولة في الاسكندرية قبل أن يعيَّن محافظاً للاسكندرية وقنا خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم حسني مبارك، اكتفى بتصريحات صحافية غامضة عن القانون.
قبل هذا القانون وخلال حكم جماعة الاخوان المسلمين، سعت الحكومة الى محو الرسوم التي وثقت مراحل الثورة المختلفة على الجدران، لكنّ ضغط الحملات الشعبية على مواقع التواصل دفع الحكومة إلى الاعتذار عن سعيها. وها هي اليوم تريد إصدار قانون لملاحقة فناني الغرافيتي والزج بهم في السجون.
من جهته، أكّد رئيس جهاز التنسيق الحضاري سمير غريب لـ «الأخبار» إنّه يصعب تنفيذ قانون «يجرّم الكتابة على الجدران»، لأن كثرة إصدار القوانين في المجال نفسه يضعفها. وكشف عن وجود أكثر من قانون يتضمن تجريم «أفعال التشويه»، من بينها قوانين البيئة والادارة المحلية والتنسيق الحضاري. وسخر من اعتبار «الغرافيتي أداة للتشويه»، لافتاً الى أنّه «أداة جمالية للاحتجاج على القبح». وأشار إلى أن قانون التنسيق الحضاري يُنظم هذه الأمور في العمران المصري، وهناك عقوبات في القانون تحوي الحبس والغرامات، لكنها لا تصل إلى المبلغ المقترح في القانون الجديد، الذي يصل إلى 100ألف جنيه و4 سنوات سجناً.
أما محمد عبلة الفنان التشكيلي الوحيد في لجنة الخمسين المكلفة كتابة دستور مصر الجديد، فقد أكّد لـ «الأخبار» أنه سيقود تظاهرة ضد هذا القانون في حال إقراره، وسيدعو الفنانين إلى الاعتصام ضده. ودخلت جماعة «6 أبريل» على الخط، حين حذّر المتحدث الرسمي باسم الحركة من اصدار القانون، واصفاً إياه بأنّه «غير المفهوم على الإطلاق في الوقت الحالي، وبعد قيام الشعب بثورتين في غضون ثلاث سنوات لبلوغ الحرية والعدالة الاجتماعية».
ويبرر أنصار القانون سعي الحكومة إلى سرعة إقراره بالعبارات التي وصفت بـ «المسيئة» التي يكتبها أنصار جماعة الإخوان المسلمين على جدران شوارع القاهرة، للتعبير عن رفضهم لاجراءات عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وفي معظمها تستهدف القوات المسلحة والشرطة، وتخص بالذكر وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي، لكن عمار ابو بكر استبعد أن تكون جماعة الاخوان مصدراً لهذه العبارات، مرجحاً أن يكون أعضاء «الالتراس الكروي» طرفاً أصيلاً بسبب استمرار صدامهم مع حكومة حازم الببلاوي، لافتاً الى أنّ ايمان شباب الإخوان بفكرة «تحريم» فنون الرسم والتصوير، يقف حائلاً دون قدرتهم على التعبير عن خطابهم الاحتجاجي باستخدام الغرافيتي أداةَ حشدٍ وتعبئة، وفيما لم يصدر عن وزارة الثقافة المصرية أي بيان يعرض وجهة نظرها في القانون، باعتبارها الجهة المنوط بها رعاية الفنانين، كتبت ناشطة على تويتر تعليقاً على محاولات تمرير القانون: «بدلاً من سنّ قانون يمنع التحرش بالجدران، أقرّوا قانوناً يمنع التحرش بالبنات يا حكومة تافهة».



بيان | وأد الثورة

حتى الآن، لم تخرج إلى العلن تفاصيل ومعلومات دقيقة عن محتوى وبنود القانون الذي يجرّم الغرافيتي في مصر، إلا أنّ منظمات حقوقية عديدة رأت أنّ هدف السلطة هو محو ما بقي من الثورة في الشارع. وأكدت «الشبكة العربية لحقوق الانسان» في بيان لها أنّ «القانون جرت صياغته سراً، ولم تُعرض مواده ومحتواه على الرأي العام حتى الآن، لكنّه ينص على معاقبة كل من يكتب عبارات مسيئة على جدران المباني الحكومية والخاصة بالحبس أربع سنوات، وتغريمه مبلغ 100 ألف جنيه، ومصادرة الأدوات المستخدمة في الرسم أو الكتابة، وقد أعلن الوزير تشكيل لجان في الأحياء والمدن لرصد الذين يقومون بكتابة العبارات على الجدران».