مثل معظم الأزمات الإنسانية، تشكّل أزمة اللاجئين السوريين مادّة بصريّة وإعلاميّة تبدو سهلة في العادة. يصبح المشهد ذاته داخل مخيمات اللاجئين، صورة جاهزة للمصوّر. هنا تتشابه ديكورات هذه المخيمات، وبالتالي عناصر الصور التي تلتقط لها، هذا إذا أغفلنا الكليشيهات والبورتريهات القريبة لوجه طفل أو عجوز، تكون عيناه مسمّرتين بعدسة الكاميرا.
من مخيمات اللاجئين السوريين في البقاع والشمال اللبناني، خرج الزميل مروان طحطح (1981) بمشروعه الفوتوغرافي الجديد الذي شارك في المعرض الجماعي الذي نظّمته مجموعةLa Quatrième Image للصورة المعاصرة في فضاءL'espace des Blancs _ Manteaux في باريس، من 31 تشرين الأول (أكتوبر) حتى 5 تشرين الثاني (نوفمبر). من بين 40 مصوّراً صحافياً مشاركاً من حوالى 23 بلداً حول العالم، أراد المصور اللبناني أن يظهر هذه المعاناة بطريقة أخرى من خلال صور لا تضخّم الكارثة بمبالغة تراجيديّة نمطيّة على عكس ما نراه في معظم المشاريع المماثلة.
يرى المصوّر الشاب أن المشاركات في المعارض الجماعية هي ضرورة للمصورين الصحافيين اللبنانيين، بسبب «غياب الاهتمام بالصورة وتقييمها هنا»، وخصوصاً أن هذه المشاركة أعطته «دفعاً جديداً للعمل على مشاريع أخرى وتطوير مهاراته»، علماً بأنه أمضى 13 سنة في مهنة التصوير الصحافي، وأقام معرضه الفردي الأول «خارج التركيز» في بيروت عام 2011، إلى جانب مشاركته في معارض جماعية في العاصمة اللبنانية وفي مسابقات تصوير عربية. لكن «فضاء التصوير هنا يقتصر على المحاولات الفردية الضئيلة»، عازياً ذلك إلى وضع المصورين الصحافيين وغياب الدعم المادي لمشاريعهم، بالرغم من «امتلاكهم لمهارات وخبرات جادّة».
يضم المشروع 13 صورة عرّفها طحطح بعبارة «مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان». لكن الصور تضعنا أمام جزء محدّد من هذه المعاناة، فقد تركّزت على المخيمات السورية المصنوعة من الإعلانات الطرقية تحديداً.
خلال عمله الصحافي وتوجّهه للتصوير في البقاع والشمال قبل أشهر، أتت فكرة المشروع الذي أراده طحطح أن يخرج بطريقة غير معتادة. عدا عن الحالة المزرية التي تدفع باللاجئين السوريين إلى بناء منازلهم من الإعلانات بسبب سوء أحوالهم المادية، تحمل لقطات الخيم المصنوعة من الإعلانات أبعاداً أخرى. صورة طحطح الفنية والمتقشفة العناصر بشكل عام، ملأتها هذه المرة الإعلانات العملاقة أمام بعض الشخوص المنتشرة إلى جانبها. أراد المصوّر التقاط هذا التطابق العكسي بين بعض وجوه أشخاص الإعلانات ووجوه اللاجئين السوريين. يتطابق لون شفتي الفتاة النحيلة في الصورة مع قميص اللاجئة الفضفاض الأحمر. وفي صورة أخرى، تدخل امرأة إلى خيمة طولية، مصنوعة من إعلان للطيران الإماراتي. تلتقط الصور هذا التضاد الفاقع، لا بين الشخوص فقط، بل بين خلفيات الإعلانات والخلفية الأصلية الترابية، فتحمل بعداً إنسانياً عاماً يتجاوز أزمة اللجوء، إلى التفاوت الطبقي، فيما توثّق للجوء في لبنان وتمنحه هويته الزمانية والمكانية والثقافية الخاصة.
في إعلان لسيارة جيب، صنعت منه إحدى الخيم، يمشي الجيب على حجارة كبيرة. هذه الحجارة في الصورة أكملها اللاجئون السوريون بحجارة تثبت الخيمة، فبدت كأنها تكملة لها، مع أرض ترابية محيطة، تكمل المشهد أيضاً. لكن هذا الانسياب السهل، والتوافق بين مكانين بعيدين جداً، يعزّز الاستحالة أكثر. هناك إعلانات لساعات، ولماركات فاخرة وثياب عالمية، تحمل مثالية طبقية معينة، يخدشها واقع اللجوء، الجافّ الذي يستمدّ لونه من التراب المحيط بها. هذه جميعها ترجعنا ربّما إلى أصل الكارثة أو جزء منها.
يعتقد طحطح أن الرسالة وصلت إلى المتفرّج الغربي. إذاً، الصور خرجت من إطارها الصحافي المباشر، وطرحت مفاهيم أخرى، موسّعةً هوّة المأساة الطبقية، ومبعدةً «العالم الآخر» المشتهى عن ناظري اللاجئين السوريين. هكذا أصبحت الإعلانات، بألوانها الجميلة، هي الكارثة. هذا النقيض المثالي يعطي الكارثة الحقيقية أبعادها المؤلمة.