يدخل Bonté Divine التاريخ التونسي بوصفه أول كتاب ربما يتناول رئيساً عربياً لا يزال في الحكم، ويصدر في بلاده من دون أن يمجّده أو يعدّد إنجازاته. العمل (دار أبولونيا) الذي كتبه الصحافي نزار بهلول صاحب الجريدة الإلكترونية الشهيرة «بزنس نيوز» الناطقة بالفرنسية، جاء بعنوان فرعي هو «الرجل الذي لم يعرف أن يكون رئيساً». استعان الصحافي التونسي في تأليفه بمستشار قانوني هو فتحي المولدي (قدّم الكتاب أيضاً)، مدشّناً لوناً جديداً من الكتابة عن الرؤساء وهم لا يزالون في الحكم، قبل أن يخرجوا منه الى القبر أو إلى المنفى أو السجن، وهي النهايات الثلاث المعتادة للرؤساء والملوك العرب. الكتاب تشريح لشخصية الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي الذي كان حقوقياً بارزاً، ذا شعبية، قبل أن يفقد بريق الاحترام منذ دخوله قصر قرطاج. يعدّد نزار بهلول أخطاء المرزوقي وتصريحاته الغريبة ومواقفه المتناقضة من خلال جردة دقيقة لمواقفه من السلفيين الذين نعتهم بـ«الجراثيم»، قبل أن يعتذر لهم ويفتح لهم قصر قرطاج ليقيموا المحاضرات. كما يمرّ على موقفه من ميليشيات حماية الثورة التي فتح لها باب قصر قرطاج أيضاً، وغضبه من تسليم آخر رئيس وزراء في عهد القذافي البغدادي المحمودي، إذ كان آخر من يعلم بهذا الأمر، وقد فكر آنذاك في الاستقالة واعتكف في بيته في ضاحية القنطاوي بالقرب من مدينة سوسة، رافضاً التوقيع على أي قرار.

وتوقف بهلول عند الأزمات الدبلوماسية التي تسبّب بها مع الجزائر ومع فرنسا وموقفه من المعارضة التونسية التي شتمها خارج تونس، وتحديداً في قطر وموريتانيا وموقفه من النساء «السافرات»، ونكثه لوعد الاستقالة بعد ستة أشهر في حال فشله في حلّ الأزمات التي تعانيها تونس في أول ظهور له على القناة الأولى للتلفزة الوطنية. ورصد بهلول أيضاً علاقة المرزوقي بقناة «الجزيرة» وفضيحة تلقّيه أموالاًً مقابل كتابته مقالات في موقع القناة القطرية. كما توقف عند طريقته في الخطابة وحركاته وملابسه، وخصوصاً رفضه ارتداء ربطة عنق أسوة بالشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة «النهضة».
تضمّن الكتاب ٤٥ فصلاً كانت بمثابة جرد حساب لرئاسة المرزوقي الذي أحاط نفسه بـ«جيش» من المستشارين من عديمي الكفاءة والمراهقين السياسيين كما سمّاهم بهلول، معتبراً أنّ تحالف المرزوقي مع «النهضة» أضعف الحركة الديموقراطية والحقوقية، وشوّه صورة رئاسة الجمهورية التي لم تعد تلقى أي احترام في الشارع التونسي في سياق جهود «النهضة» الرامية إلى تكريس النظام البرلماني عبر إضعاف مؤسسة الرئاسة، وقد وجدت في محمد المنصف المرزوقي أفضل من ينجز هذه المهمة.
حال صدوره قبل حوالى أسبوعين، لقي الكتاب إقبالاً كبيراً في تونس، ويتوقع أن يكون من الأكثر مبيعاً في «معرض تونس الدولي للكتاب». لقد نجح بهلول في تقديم قراءة عن شخصية محمد المنصف المرزوقي عبر مواقفه وآرائه في الدين والسياسة ومواقفه من خصومه وحلفائه وتأرجحه بين مواقف متناقضة وغريبة. ومن مفارقات تونس أنّها انتقلت من رئيس مثير للخوف لدى التونسيين الى رئيس اعتبره بعض أنصاره سابقاً مجرد «ساكن» في قصر قرطاج، ويرى جزء كبير من التونسيين أنّه المسؤول الأول عن توغل «النهضة» وعبثها بمصير البلاد.