القاهرة | فؤاد نجم والشيخ إمام... مَنْ يحسدُ مَن على الرحيل؟ السؤال يفرض نفسه بعد وفاة الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، واهتمام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بنبأ رحيل «شاعر الثورة». حين توفي الشيخ إمام في السابع من حزيران (يونيو) 1995، لم تهتم وسائل الإعلام الرسمية بالنبأ الجلل. وبالطبع، تجاهل التلفزيون الرسمي الخبر، ولم يلق بالاً برحيل «مطرب الشعب». اكتفت صحيفة «الأهرام» بزاوية صغيرة ونعي لم يتجاوز سطرين؛ إذ نشرت: «المغني الكفيف الشيخ إمام (78 عاماً) توفي أمس. كان يعاني من السكر، وكان الشيخ إمام قد اشتهر بعد نكسة عام 67. وقدم العديد من الأغاني النقدية التي كتبها له أحمد فؤاد نجم، كذلك فإنه حاصل على الأسطوانة البلاتينية من الاتحاد الدولي للأغنية»! كان يمكن تغطيةَ خبر وفاة أحمد فؤاد نجم أن تكون أسوأ لولا... «ثورة يناير». بفضلها، نال حظاً أوفر في الاهتمام بنبأ رحيله، ووصل الأمر إلى بث التلفزيون المصري خبر الوفاة ونعي الشاعر.
كان اللقاء الأول بين نجم والشيخ إمام سنة 1962 في منطقة «خوش قدم» ليبدآ مسيرة فنية ونضالية استمرت قرابة منتصف الثمانينيات. كتبا ولحنا عشرات الأغنيات الوطنية والسياسية، التي لاقت في البدء قبولاً من السلطة المصرية في العهد الناصري، إلا أنها سرعان ما ضاقت ذرعاً بحدة «الفاجومي والشيخ». هكذا، اعتقلتهما معاً بعد صدور أغنيتهما «الحمد الله» بعد النكسة. ومع بداية العهد الساداتي، تقاسم الشاعر والملحن مطاردة السلطة وزنازينها خلال الأعوام 1972، 1975، 1977، و1978. من جهته، اعتبر نجم «خوش قدم» ورشة تصنيع قصائده؛ وكتب ذات مرة: «كل يوم عن التاني، كنت أتمكن أكثر من صنع الشعر لأني كنت أفهم أكثر من خلال الاحتكاك بالشباب المثقف في سهرات «خوش قدم» الممتعة. ومن أهم القناعات التي اعتنقتها في تلك الفترة أنّ الفن بشكل عام، والشعر بشكل خاص، كائي حي. أي إنّ «الشعرا بيخلفوا القصايد زي الناس ما بيخلفوا العيال»».
في منتصف التسعينيات، على صفحات «الأهرام» ذاتها، نشر عدد من الكتاب والفنانين والمثقفين نعياً «مدفوع الأجر» للشيخ إمام، كان نصه «البقاء لله. القوى الوطنية المصرية تنعى للشعب المصري والأمة العربية، فنان الشعب الشيخ إمام عيسى، ولد في أبو الفرس عام 1917 ومات في خوش قدم عام 1995، وتقام ليلة المآتم في الثامنة حتى العاشرة في «مسجد عمر مكرم» اليوم الجمعة». وحوى النعي العديد من الأسماء اللامعة، على رأسهم رفيق دربه فؤاد نجم. بعد رحيل «الفاجومي» أمس، سارعت الصحف والقنوات لإعلان العزاء والحداد على روح نجم واستحالت مواقع التواصل الاجتماعي إلى دفاتر عزاء. وعلى المستوى الإعلامي أعلنت قناة «أون. تي. في» الحداد على صاحب قصيدة «جيفارا مات»، واضعة شارة سوداء فوق شاشتها.
رغم الخلافات التي دبّت بين الثنائي وأدّت إلى قطيعة عام 1984، إلا أنّ هذه التجربة الاستثنائية ستبقى ماثلة بعدما ألهمت أجيالاً منذ النكسة حتى «الثورة الثالثة» التي وعدنا بها «الفاجومي» قبل الوداع.