علي عبد الأميررغم أنّهم رافقوا جثمان رافع الناصري من بيته ظهر السبت حتى «جامع صلاح الدين»، ثم الى «مقبرة سحاب» في ضواحي عمان، التي صارت مقبرة للكثير من رموز العراق الثقافية والسياسية ممن هاجروا عن بلادهم، الا أنّ إحساساً تاماً بالفجيعة تمكّن منهم، وهم يوارونه في الثرى. التشكيلي العراقي الآتي من النرويج يحيى الشيخ، والناقد والروائي سهيل سامي نادر، والاكاديمي والمسرحي علي شبو، وتلميذ الناصري الرسام والغرافيكي خالد رحيم وهل، هالهم أن يقفوا عند حافة القبر، فيما تراب كثير يهيله المشيعون على جسد الناصري الوسيم.

لكنه الجسد الذي غدا غاية في النحول من جراء السرطان والعلاج الكيميائي الذي لم يعد كافياً لردع الموت. الفنان يحيى الشيخ ترك لدموعه أن تترجم مشاعره في لحظة لم يتخيل أن يكون شاهداً عليها، فيما كابر سهيل سامي نادر على آلامه ليكتفي بعناق صامت لمي مظفر التي اختارت الانحناء الطويل الصامت عند حافة قبر حبيبها ورفيق عمرها، من دون أن ينسى الاكاديمي والفنان علي شبو أن يكون سنداً لها. بعد عودته من التشييع، كتب شبو على الفايسبوك: «دأبت على زيارة المبدع الكبير رافع الناصري في منزله، وخصوصاً أنّه لم يعد يقوى على الذهاب الى مرسمه الأنيق بسبب تفاقم مشاكله الصحية. كنت أتابع بحذر أحواله، وأنا أشاهد أمامي الموت متربعاً على كتفي رافع يمتص منه الحياة، حلماً حلماً. وحين استفاق رافع اليوم، كانت الأحلام قد هجرت جسده النحيل وابتعدت الى هناك، حيث شاطئ من شواطئ دجلة يحتضن طفولته المظللة بالنخيل». ومن لندن، كتب الفنان العراقي فيصل لعيبي راثياً أستاذه وصديقه: «وداعاً أستاذي النبيل رافع الناصري الذي يعدّ واحداً من أهم فناني الحفر في الوطن العربي، وصاحب الالتفاتة الجريئة نحو فنون الشرق الأقصى وبالذات الفن الصيني العريق. استطاع أن يمنح فن الحفر العراقي ملامح جديدة لم يألفها، وينعشه بريح فن الشرق العريق ويمنحه روحاً مختلفة ويزيد مساحة التثاقف والتطعيم المعرفي، حيث التزاوج بين الحداثة وجغرافية المكان. سيبقى تراثك أستاذي الجليل كنزاً من كنوز وادي الرافدين العجيب». أيضاً، كتب الروائي العراقي المقيم في ألمانيا حسين الموزاني: «ما لنا نموت في المنافي واحداً تلو الآخر؟ فقد رحل الجواهري ودفن في المنفى، وكذلك عبد الوهاب البياتي، ونازك الملائكة، وشريف الربيعي، وأنور الغسّاني، والأب يوسف سعيد، وسركون بولص، وكمال سبتي، وتحرير السماوي، ومنذر حلمي، وعوني كرومي، وكمال السيّد، وصالح كاظم وغيرهم العديد في الكتّاب والفنانين العراقيين في بلدان الشتات». كتب الناقد العراقي المقيم في بلجيكا محمد الجزائري: «يا لأحزان المبدعين ونخب الطيبين برحيل صديقنا الجميل رافع الناصري، العزاء لرفيقة دربه السيدة الوفية مي مظفر، ولأهله وصحبه والعراق الوطن والإبداع. وحسبنا أنه خلف نخبة من مبدعي فن الطباعة، ساروا على نهجه وأنجزوا وينجزون. رافع نم قرير العين يا أنيق اللون والتكنيك والغنى الحرفي».