دبي | مساء الجمعة الماضي، انطلقت الدورة العاشرة من «مهرجان دبي السينمائي الدولي» بتكريم عشرة من رواد السينما العربية الذين اختيروا إثر مشاركتهم في الأفلام التي أوردتها قائمة المهرجان حول أفضل 100 فيلم عربي (الأخبار 11/11/2013). من لبنان، وقع الاختيار على كارمن لبس التي كرِّمت لدورها في فيلم زياد دويري «بيروت الغربية»، إلى جانب عزت العلايلي (الأرض) ويسرا. من بين المخرجين، كرم المهرجان محمد ملص ومحمد خان ومفيدة التلاتلي. افتُتح المهرجان بفيلم «عمر» لهاني أبو أسعد الذي يصوّر الحرب النفسية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطيني، حيث يحاول تقليبه ضد نفسه وتشكيكه بهويته وقضيته. يعتمد صاحب «الجنة الآن» على لغة سينمائية تتميز بالتقطيع الحاد، كأنّما ليحاكي كل الحواجز المادية أو النفسية التي يضعها الاحتلال بين الفلسطينيين في محاولة لتفكيك وحدتهم. في اليوم الثاني للمهرجان، عرض فيلم «أغسطس: مقاطعة أوساج» للمخرج جون ويلز. اقتُبس الشريط من مسرحية ترايسي ليتس الشهيرة الحائزة جائزة «بوليتزر» من بطولة ميريل ستريب التي تقدم دوراً رائعاً إلى جانب جوليا روبرتس التي تمثل ببراعة غير متوقعة وتثبت جدارتها بالوقوف إلى جانب ستريب.

الفيلم الذي يتناول صراعاً بين الأم المصابة بالسرطان والمدمنة على الحبوب (ميريل ستريب) وابنتها (جوليا روبرتس) بعد انتحار الأب واجتماع العائلة بعد غياب طويل، يتوغل في الروابط العائلية مصوّراً كل العنف الذي يكمن داخلها والذي لا يتجزأ عن الحب. أهمية الفيلم تكمن في حواراته المشغولة بعناية وبناء شخصياته العميق الذي يصوّر تناقضات الكائن البشري بهشاشته وقسوته. جون ويلز يوظف هذا العمل المسرحي في رؤية سينمائية تستغل نقطة قوته الكامنة في حواراته وأداء ممثليه، فيرينا الشخصيات المسجونة ضمن الكادرات الثابتة التي تبرز سجنها الداخلي، لكنه لا ينجح في بناء مشهدية تحاكي قوة هذا العمل الدرامي.
ومن العروض الافتتاحية فيلم محمد خان «فتاة المصنع». عمل محيّر إلى حد ما. رغم حبكته الروائية البسيطة ظاهرياً، إلا أنه أشبه بضفة وصل بين السينما المصرية قديماً وحاضراً ويجسد رؤية نقدية للمجتمع والسينما في آن. سعاد حسني التي أهداها محمد خان عمله، حاضرة بروح الحقبة التي تمثلها في تاريخ مصر. تعود السينما المصرية من خلال أفلام سعاد حسني وأغانيها التي تحلم بها بطلة الفيلم كأنها الشاهد الوحيد على ذلك العصر. في «فتاة المصنع»، يقدم خان نسخة معاصرة لسندريلا مصرية تعيش في إحدى عشوائيات القاهرة وتعمل في مصنع للنسيج وتنتظر الأمير الذي يأتي متجسداً في شخصية مهندس مصنع النسيج. لكن سندريلا لا تتحول إلى أميرة عندما يقبّلها الأمير، بل تحمل منه ولا يتزوجها بل يحاكمها كما المجتمع. يستكشف خان مشهدية سينمائية خاصة تشبه العشوائيات والواقع المصري الذي لا يبحث عن تجميله، بل يتماهى معه: كادرات ضيقة ومحكمة تبان فيها الشخصيات مسجونة ضمن الأمكنة والعشوائيات والمباني، تقطيع سريع وحي يحاكي إيقاع الأحداث، والحوار الذي لا ينضب، وتأتي أغنيات سعاد حسني ومشاهد من أفلامها لتتناقض مع الواقع الذي يصوّره الفيلم وتجسد الحنين إلى حقبة غابرة أو مساحة للحلم باتت منسية، أجهضها الفقر والتشدد الديني كما جنين هيام (ياسمين رئيس) الذي تفقده في آخر الفيلم. العالم النسائي الحميم الذي يصوره خان يتميز بحواراته المشغولة بعناية التي تبحث أيضاً في وضع المرأة المصرية وتقارن بين الماضي والحاضر والحريات التي سلبت منها ضمن موجة الحركات الإسلامية التي سيطرت على المجتمع المصري.
لكن من ناحية أخرى، لا يكرّس الفيلم الكليشيه. رغم أنّ هيام محجّبة كبقية زميلاتها في المصنع، إلا أنّ ذلك لا يقيد حريتهن. شخصية هيام تبتعد عن التقليدية، فهي التي تبادر وتتقرب من المهندس وتذهب إلى منزله. وحين تحمل منه، لا تخبره وترفض فكرة إرغامه على الزواج بها. يشارك «فتاة المصنع» في «مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة» إلى جانب أفلام عربية أخرى كـ«سلم إلى دمشق» للسوري محمد ملص، و«سرير الأسرار» للمغربي جيلالي فرحاتي، و«مي في الصيف» للفلسطينية الأميركية شيرين دعيبس، و«هم الكلاب» للمغربي هشام العسري، و«سمكة وقطة» للإيراني شهرام موكري، و«المعدية» للمصري عطية أمين، إضافة إلى «عمر».
كما يشارك فيلمان لبنانيان في المسابقة، هما: «وينن» للمخرج طارق قرقماز و«طالع نازل» لمحمود حجيج. ويتمثّل عدد من الأفلام الوثائقية اللبنانية في «مسابقة المهر العربي للأفلام الوثائقية» كالوثائقي التجريبي «طيور أيلول» لسارة فرنسيس، و«أرق» لديالا قشمر و«بطل المخيم» لمحمود قعبور، و«ميراث» لفيليب عرقتنجي و«يوميات شهرزاد» لزينة دكاش. وتنضم هذه الأعمال إلى 174 فيلماً سيقدمها المهرجان الذي يستمرّ حتى 14 من الشهر الجاري؛ من بينها 70 تُعرض للمرة الأولى في العالم.




تكريمات

انضم إلى لائحة المكرمين في «مهرجان دبي» المخرج الكويتي خالد الصديق لدوره الرائد في السينما الخليجية. ومنحت أيضاً جائزتا تكريم لمديري التصوير رمسيس مرزوق وطارق التلسماني لعملهما ضمن عدد من الأفلام التي وردت في قائمة أفضل مئة فيلم عربي. كما منحت جائزة «تكريم إنجازات الفنانين» العربية للناقد سمير فريد، وأخرى دولية للممثل مارتن شين.