ليس لدى أحمد كنعان (الصورة) ما يفعله في دمشق الحرائق، سوى استعادة ليالي الشعر. المسرحي السوري استقر أخيراً في «كهف بعل». الحانة التي تحتاج إلى خريطة للوصول إليها، وسط أزقة باب توما العتيقة، تتحوّل كل مساء أربعاء إلى «سوق عكاظ» مصغّرة، إذ يتقاطر الشعراء والموسيقيون، وهواة الكتابة. أمام جدار مزدحم بصور رجالات سوريا، يلقي ضيوف الحانة أشعارهم، فيما يؤكد أحدهم، خلال الاستراحة، سقوط ثلاث قذائف في ساحة مجاورة. في التاكسي، كنّا نخترق الحواجز بصعوبة، بينما غيمة دخان تتصاعد من جهة الشرق، ولن نستعيد طمأنينتنا إلى أن نصل الى المكان، وننخرط في أجواء «يا مال الشام: خمر وشعر». هل هو نوع من التحدي لعدّاد الموت؟ يجيب أحمد كنعان بأن ما يقوم به أسبوعياً مجرد محاولة لاستنشاق أوكسيجين آخر، ومقاومة لحصار جهنمي يرمي إلى إصابة مدينة الياسمين بالطاعون. خلال الأشهر الماضية، تناوب على المنصة شعراء من أجيال مختلفة، واختلط الإيقاع العالي بالنبرة الخفيضة، لكننا لن نجد بسهولة تجارب خارجة من جحيم اللحظة لجهة الولع بلغة مفارقة تواكب سطوة الخراب، أو تشي بعتبات جديدة للنص. هجوم الهواة على المنبر أطاح النوع والمستوى، وإذا بركاكة اللغة تطيح الفراهيدي في قبره، من دون أن تتراجع حماسة التصفيق. قد ينبري أحدهم بالدفاع عن «ديموقراطية الشعر»، لكن هذا لا يعني انتهاك اللغة في وضح النهار. اللافت هنا، هو الاتكاء على نص الأمس، وإلا فما معنى استعادة أغنيات الشيخ إمام أو مرسيل خليفة، ماركة الثمانينيات وكيف لجيل يدّعي بأنه يصنع ثورة جديدة، وهو لم يستطع مغادرة أطلال الآباء؟

هذه المحاولة في هدم جدار الصمت الثقافي شجّعت آخرين على إطلاق مبادرات مشابهة، مثل «ثلاثاء شعر» التي يديره زيد قطريب بمشاركة كوكبة من الشعراء الجدد في أحد أقبية حي المزرعة، وكانت حصيلته كتاباً شعرياً مشتركاً بعنوان «كريستال طائش»، و«ثلاثاء جرمانا الثقافي» في مقهى «لا سيغال» بإدارة رولا حسن، لتأكيد أنّ «الحياة لم تُسحب منّا رغم هذا الخراب» وفقاً لما تقوله مؤسسة اللقاء. أما «ملتقى أضواء المدينة» الذي اقترحه أخيراً عمر الشيخ في «نينار آرت كافيه» في باب شرقي، فهو فضاء مفتوح على الشعر والموسيقى والسجال، وهناك «منتدى البناء الثقافي» للعروض السينمائية. كأن مثقفي دمشق ضاقوا ذرعاً بمطحنة الموت اليومي، فأرادوا مواجهة الحصار بالشعر والموسيقى، و«عرق الريان» الوطني.